الكتاب يمكّنك من السفر حتى إن لم يُتح لك فرصة الذهاب في إجازة. وهو يساعدك على التمتّع أكثر باجازتك إن ذهبت في اجازة. لذلك رأينا أن نقترح عليك كل يوم كتابا حتى يكون للمطالعة، التي تبقى أهم نشاط انساني، في صيفك نصيب. مترجمها محمد العربي السنوسي (دار سحر، تونس 2014 في 123ص، سلسلة كتاب الشهر ع3)، ومؤلفها ارتور بيليقران (18911956م) تونسي من أصول فرنسية، مولود ببوسالم (سوق الخميس سابقا) ومتوفى بآكس ليبان Aix-Les-Buins بفرنسا بعد إقامة بحمام الأنف رفقة أبيه الموظف بالكازينو، ودراسة ابتدائية في مدرسة دار الباي بها وثانوية بالمعهد العلوي، ونشاط صحفي ونقابي اشتراكي وأدبي شمال إفريقي كمؤسّس لجمعية كتاب شمال إفريقيا وجائزة قرطاج الأدبية، رغم شلله. نشر عديد المقالات وجمع بعضها مبوّبة في كتب حول قرطاج ومدينة تونس وأسماء الأنهج وتاريخ المدن وأسمائها في تونس والجزائر حتى كرّم سنة 1950 بأكبر جائزة للأكاديمية الفرنسية عن كتابه «قرطاج اللاتينية والمسيحية». ولئن تبنّى الطروحات الاستعمارية فإنتاجه الأدبي صورة من الواقع التونسي، شأن روايتيه «مغامرات رقبوش» (مسلسل «الشروق» في رمضان 1427ه / 2006م بتعريب م.ع السنوسي تونس 2008)، و«فتاة الإسلام». وهي فتاة من تونس العاصمة ضحية وضعية المرأة، استغلها رجل فقد زوجته إذ وعدها ولم يف بوعده، بل بلغت به السفاهة والنذالة حد دعوته إياها لحفل زواجه من غيرها. وكادت تعيش مغامرة حب مع ابنه لو لم يتدخل على الخطّ رسّام فرنسي ليتخلّى عنها في مصارعتها المرض. ولكنها ماتت مخنوقة بنهشة ثعبان أشار الكاتب سلفا إلى فراره في غياهب سور الباب الجديد ثم إلى انسحابه إلى مقبرة الزلاّج. فهل رمز به إلى التقاليد المتشدّدة التي تجعل المومس منبوذة حتى ولو أنجبت خطأ من شخص ينكر ابنه منها؟ ولكن ما ذنب «زينة» التي لم تنجب من أحد والتي لم تقترف ذنبا؟ الحكم للقارئ بعد مطالعة مشوقة وصولا إلى هذه الخاتمة: «لقد فارقتها الحياة، وأعادت فتح عينيها وتمتمت «الله...» ثم ماتت (...) انساب الحيوان مثقلا بالدماء إلى ثقوب سور الحدادين (..) ونام هناك نوما عميقا إلى الفجر الثالث (...) وعند البيت القديم لزينة انتصب وتردّد صغيره (...) وعند شروق الشمس شاهد رعاة الماعز عن بعد في فناء مقبرة الزلاج ثعبانا ضخما ينساب بين الأسلاك الشائكة والصخور الجافة... كان الحاج وبين القبور اتجه نحو الجنوب (ص122123).