أوشكت المُمارسة السياسيّة في بلادنا على استنبات منهج جديد واستحداث آليات ووسائل مُبتكرة في المنافسة بين الخصوم والتدافع بينهم. استعارة من أجواء العيد، يُمعن السياسيّون والأحزاب في شحذ السكاكين لذبح المُخالفين والتنكيل بهم في مشاهد باعثة أوّلا على الاستغراب من تراجع منسوب الاعتراف بالرأي المُخالف والتساؤل حول ما يُمكن أن توصل إليه هذه السياسة الرعناء الفاقدة لكلّ ضوابط التمدّن والمُسقطة لكل مبادئ العيش المُشترك وقيمه. سبع سنوات على الثورة ودخول تونس مرحلة الانتقال الى أفق الحريّة والديمقراطيّة والتعدديّة، وعلى الرغم من ذلك تزدادُ المُمارسة السياسيّة تبلّدا وانحدارا غير مسبوق. فلا تمرّ مسألة خلافيّة إلاّ واشتعلت نيران الحقد والكراهيّة والتباغض. وعادت فيها الحياة الاجتماعية الى أشبه ما يكون بالانقسام المجتمعي المنذر دائما بوقوع الأسوإ. كما أنّه لا يبدو لغالبيّة النُخبة من برامج سوى المناكفات والمناورات والسعي الى ضرب بعضهم البعض، ضربا مُبرحا وبكل الوسائل بما فيها «الضرب تحت الحزام» أو «الطعن في الظهر» بما يُبيحهُ كلّ ذلك من نشر للغسيل الوسخ وبثّ الإشاعات المغرضة والأكاذيب وبناء المرويّات العدوانيّة والمُشيطنة للآخر المُختلف على قاعدة الغاية تبرّر الوسيلة. والغاية للأسف دائما هي الاعتبارات الشخصيّة والفئويّة الضيّقة في أشكالها وصورها المتعدّدة من صراع على الكراسي وبحث محموم عن حصّة من المنافع والغنائم وتغذيّة مستمرّة للوبيات الإفساد والفساد والمصالح. يكاد هذا السلوك يكون هو الطاغي على المشهد العام في البلاد الى الدرجة التي غابت فيها الأطروحات النافعة والمجديّة الخادمة للصالح العام وتحسين معيش النَّاس والاستجابة لحاجياتهم العاجلة والمؤكّدة وتطوير أوضاع البلاد نحو الأفضل المأمول. ومن غرائب هذا الوضع الشاذ، أنّه حتّى البعض من المبادرات التي تُغَطى بشعارات وعناوين برّاقة وجاذبة سرعان ما ينكشفُ وجهُها الحقيقي غير المعلن في ذهابها مذهب الشد والجذب والضغط على الخصوم أو مُحاولة توريطهم أو حشرهم في الزاوية. ففي جوهرها هي مبادرات مليئة بالتحايل والتلاعب والمناورة رغم ما يُضفيه عليها أصحابها من مساحيق تجميل ودعاية وزعمهم أنّها مبادرات جادّة لا علاقة لها بحروب التموقع وصراعات السلطة وتجاذبات الحياة الحزبيّة والسياسيّة. الكل يشحذُ سكاكينهُ للإطاحة بخصمه. وفي الحقيقة فإنّ الوطن هو المتضرّر الأوّل من مثل هذه الممارسة السياسيّة التي تُغَيَّب يوما بعد آخر استحقاقات البلاد وأولوياتها العاجلة. وتدفعُ يوميا إلى حصاد سلبي ملمحهُ الأبرز المزيد من الإكراهات والضغوط على الدولة ومزيد تعقّد الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.