إعداد: عماد الحنّاشي (متفقد مركزي بإدارة الملكية العقارية) إنّ حقّ الملكية هو في جوهره حقّ فردي، لكن لهذا الحقّ أيضا وظيفة اجتماعيّة، قد تبرّر أحيانا تقييده والحدّ من حريّة الأفراد في التّعاقد عليه لتحقيق مصالح معيّنة. ونجد في المنظومة القانونية تكريسا لبعض هذه القيود المفروضة على مبدإ سلطان الإرادة، لعلّ من أبرزها مؤسّسة الشّفعة، التي تعتبر قيدا على حريّة الشّخص في اختيار مُعَاقِدِهِ. فالرغبة في حماية الشريك من دخول شخص أجنبي للعقار قد يحول دون حُسن استغلاله، والسّعي إلى تفادي مشكلة تشتيت الملكيّة وخاصّة في الأراضي الفلاحيّة، تعدّ من أهمّ مبرّرات تكريس الشّفعة في القانون التونسي. وقد عَرَّفَ المشرع الشّفعة بالفصل103 م.ح.ع الذي ورد فيه أنّ: "الشّفعة حلول الشريك محل المشتري في التّملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشّروط المنصوص عليها في الفصول التالية". ورغم أن أحكام الشّفعة تبدو واضحة نظريا، إلا أنّ تطبيق تلك الأحكام يثير عديد الإشكاليات القانونية، وهو ما نخصص له هذا المقال. فما هي الإشكاليات القانونية والتطبيقية للشّفعة في القانون التّونسي؟ نتطرق في الجزء الأوّل من هذا المقال إلى الإشكاليات الإجرائية للشّفعة(I) وفي الجزء الثاني إلى الإشكاليات المتعلقة بآثارها(II). I- الإشكاليات الإجرائية للشّفعة: تثير الجوانب الإجرائية لدعوى الشفعة عديد الإشكاليات منها ما يتعلق بالثمن والمصاريف( أ ) ومنها ما يتعلق بالقيام بالدعوى وسيرها ( ب ). أ – الإشكاليات المتعلقة بالثمن والمصاريف: يقتضي القيام بالشّفعة عرض ثمن المبيع ومصاريف العقد على المشتري من طرف الشريك الراغب في ممارسة حقّ الشفعة، وعند امتناعه يتم تأمين كامل المبلغ بالخزينة العامة للبلاد التونسيّة، مثلما جاء بالفصل 111 م.ح.ع. ولمعرفة الثمن يحتاج الشريك للحصول على نسخة من عقد البيع بواسطة إذن على عريضة، إما من خزينة عدول الإشهاد إذا كان العقد بحجة عادلة، أو من القباضة الماليّة المسجّل بها إذا كان العقد من الكتائب الخطية، أو من إدارة الملكية العقارية المحفوظ لديها بالنسبة للعقارات المسجّلة. وتواجه القائم بالشفعة هنا اشكاليات تتعلق بالثمن وبمصاريف عقد البيع. فبالنسبة لثمن المبيع هناك اشكاليتان: الأولى هي تضخيم ثمن المبيع لحرمان الشريك من الأخذ بالشفعة، والثانية هي التنصيص على ثمن جُملي في عقد بيع يشمل منابات شائعة وأخرى مُفرزة. ففي خصوص تضخيم ثمن المبيع، ومدى إمكانية إثبات صُورية الثمن المنصوص عليه بالعقد، فإن المتابع لفقه قضاء محكمة التعقيب يلاحظ تذبذبا في الموقف بين اتجاهين: اتجاه أوّل يرى أنه لا مجال لإثبات ذلك؛ فقد جاء مثلا بالقرار التعقيبي عدد 3489 بتاريخ 12 جانفي 2006 أن : "المبلغ الواجب تأمينه عند القيام بإجراءات الشفعة هو الثمن المذكور بالعقد وما يتبعه من مصاريف مقابل تحريره وتسجيله ولا مجال بالتالي لمحاولة تأويل هذه الأحكام والسّعي إلى إثبات ما يُدَّعَى أنه الثّمن الحقيقي الذي تعاقد عليه الطرفان". أما الاتجاه الثاني فيعتبر أن إثبات تضخيم الثمن مُمكن حتى وإن تمّ تحرير العقد بحجة عادلة، حيث تقول محكمة التعقيب بأنه:" ولئن اقتضى الفصل 444 من المجلة المدنية بأن الحجة الرسمية لا يُطعن فيها إلا بطريق الزّور، فإن ذلك يتعلق بما يتلقاه المأمور العمومي من الاتفاقات والأمور التي شهد بها على أنها وقعت بمحضره، أما ما عدا ذلك من صورية العقد والتنصيص به على ثمن غير حقيقي قصد منع الشفيع من الأخذ بالشفعة كما هو في قضية الحال والذي لم يتفق عليه المتعاقدين بمحضر ذلك المأمور وإن وقع تدوينه بالحجة العادلة، فإنه يجوز إثباته بكافة الطرق القانونية". أما بالنسبة للإشكالية بالتّنصيص على ثمن جُملي في عقد بيع يشمل منابات شائعة وأخرى مفرزة فإنّه يمكن إيجاد حلّ لها إذا تضمن عقد البيع التنصيص على سعر فردي للمتر، كأن ينص العقد على أنّ البيع تمّ بحساب 300 د للمتر المربع الواحد، فيمكن تحديد ثمن المنابات المشاعة على حدة واحتسابها بضرب مساحتها في السعر الفردي للمتر. لكن في غياب هذا التنصيص فإن الإشكال يبقى قائما ولا يجد القائم بالشفعة من بدّ سوى تأمين الثمن الجملي عند القيام حتى لا يسقط حقه، ثم أثناء سير الدعوى يطلب من المحكمة تكليف خبير لتحديد ثمن المنابات الشائعة موضوع دعوى الشفعة على حدة، على أن تأذن له المحكمة عند إصدار الحكم بسحب بقية الثمن المؤمن بعد خصم ثمن تلك المنابات لفائدة المشتري في عقد البيع المشفوع فيه. من جهة أخرى، يطرح التساؤل: ما المقصود بمصاريف عقد البيع ؟ لقد استقر فقه القضاء على أن مَصاريف العقد يُقصد بها مصاريف تحريره وتسجيله، فلا تشمل هذه المصاريف معاليم إدراج العقد بإدارة الملكية العقارية ولا مصاريف الإعلام بالشراء. ولكن إذا كانت مصاريف تسجيل عقد البيع مَعْلُومَة بالضّرورة لأنها معاليم حددها القانون، فإن مصاريف تحريره تبقى مجهولة بالنسبة للشريك الراغب في ممارسة الشّفعة: فكيف له أن يتوصل لمعرفتها بهدف تأمينها قبل القيام بالدعوى؟ نقول هنا بأنه إذا تمّ تحرير العقد بواسطة عدليْ إشهاد فيمكن ضبط أجرة التحرير استنادا إلى قرار وزيري العدل والمالية المؤرخ في 08 أفريل 1975 المتعلق بتعريفة أجور العدول والعدول المنفذين، المنقح في 07 فيفري 1991؛ فمثلا إذا زاد ثمن المبيع عن خمسة آلاف دينار، فإن أجرة تحرير عدلي الإشهاد تُساوي 1 من الثمن. وهذا الاجتهاد اعتمدته محاكم الأصل في غياب ما يثبت حقيقة مصاريف التحرير، وأقرته محكمة التعقيب(قرار تعقيبي عدد 79048 بتاريخ 26022013). أما إذا حُرّر العقد لدى إدارة الملكية العقارية، فإن أجرة تحريره محددة بالأمر عدد 2114 المؤرخ في 03 نوفمبر 1992 المتعلق بضبط مقدار المعاليم المستوجب استخلاصها لفائدة إدارة الملكية العقارية مقابل تحرير العقود. لكن إذا تمّ تحرير العقد بواسطة مُحامّ، فهنا تكمن الصّعوبة لأنه لا وجود لتعريفة محددة، فهل يمكن اللجوء إلى استصدار قرار تسعيرة من رئيس الفرع الجهوي للمحامين لضبطها ؟ حسب رأينا، فإنه لا يمكن استصدار قرار تسعيرة: أوّلا لأن قرار التسعيرة لا يقع اللجوء إليه إلا في صورة خلاف بين المحامي وحريفه، ولسنا في هذه الحالة؛ وثانيا لأن قرار التسعيرة يقوم به إما المحامي أو الحريف، والقائم بدعوى الشفعة ليس أحد هذين الطرفين رغم أن له مصلحة في ذلك. وبالتالي يبقى إشكال ضبط مصاريف التحرير في هذه الحالة قائما.