مراسلون بلا حدود: تونس في المرتبة 118 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2024    وزارة الإقتصاد الأفضل لتوجيه التمويل الخارجي.. رئيس جمعية المؤسسات الصغرى و المتوسطة يوضح    لقاء بين محمد المعز بلحسين و رئيس جامعة المطاعم السياحية ...تفاصيل    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستضيف الأولمبي الباجي في حوار فض الشراكة في الصدارة    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    طبرقة: تفكيك شبكة مختصة في ترويج المواد المخدرة    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    هذه هي أسعار أضاحي العيد بالقصرين    أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها بين جامعة التعليم الثانوي ووزارة التربية    مساندة متواصلة للفئات الضعيفة.. قريبا انطلاق معالجة مطالب التمويل    وفد من الحماية المدنية في الجزائر لمتابعة نتائج اجتماع اللجنة المشتركة التقنية المنعقد في جانفي الماضي    بعد ظهوره في حالة هستيرية: سائق حافلة سياحية يكشف..    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    188 قتيلا في فيضانات جراء الأمطار بكينيا..#خبر_عاجل    جندوبة: 6 سنوات سجنا وغرامة مالية لممثّل قانوني لجمعية تنموية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه.    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    قرعة كأس تونس 2024.    بورصة تونس: "توننداكس" يسجل ارتفاعا بنسبة 05ر2 بالمائة خلال شهر أفريل 2024    الكاف..سيارة تنهي حياة كهل..    مدنين: القبض على مُتحيّل ينشط عبر''الفايسبوك''    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    المدير العام لبيداغوجيا التربية:الوزارة قامت بتكوين لجان لتقييم النتائج المدرسية بداية من السنة الدراسية القادمة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    فوز التونسي محمد خليل الجندوبي بجائزة افضل لاعب عربي    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    أبل.. الأذواق والذكاء الاصطناعي يهددان العملاق الأميركي    عاجل/ يرأسها تيك توكور مشهور: الاطاحة بعصابة تستدرج الأطفال عبر "التيكتوك" وتغتصبهم..    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    تشيلسي يفوز 2-صفر على توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    البطولة الوطنية : تعيينات حُكّام مباريات الجولة الثانية إياب من مرحلة تفادي النزول    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    نبيل عمار يستقبل البروفيسور عبد الرزاق بن عبد الله، عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقدمات للمطر:معركة الهوية على عتبات الفوضى!
نشر في الشروق يوم 05 - 09 - 2018

يشير صاحب نظرية نهاية التاريخ المفكر الأمريكي «فرنسيس فوكوياما» في أحدث دراساته عن أزمة الهوية والنزعة القبيلة الجديدة الى أن كل التحولات التي تشهدها المجتمعات العالمية مع بداية الألفية الجديدة، ترتبط بشكل او بآخر بالتحولات الاقتصادية والتكنولوجية للعولمة لكنها أيضا متجذرة في ظاهرة صعود سياسات الهوية.
في تفسيره لهذا المعطى يضيف " فوكوياما " أن السياسة خلال القرن الماضي كانت في معظمها تحددها المسائل الاقتصادية: كانت السياسة من جهة اليسار تعتمد على العمال والنقابات العمالية وبرامج الرفاه الاجتماعي للطبقة الوسطى وسياسات وسيناريوهات إعادة التوزيع ... ومقابل ذلك كان اليمين مهتما بشكل أساسي بتحجيم حجم الحكومة وتعزيز القطاع الخاص.
أما اليوم – وكما يرى فوكوياما «فأن السياسة أصبحت تتحكم فيها مسائل الهوية أكثر مما تتحكم فيها المشاغل الاقتصادية والأيديولوجية».
2 –
هذا المدخل النظري لهذه المقدمات يفسر تماما حيرة أوروبا أمام المأزق التاريخي الذي وضعته امامها هوية الحقوق والتطبيقات التقنية للديموقراطية وما أفضت اليه من صعود ليمين متطرف يرفض الادماج ويؤسس لمجتمع مغلق..
هذه الحيرة الأوروبية التي جعلت الرئيس «ساركوزي» مثلا يحدث في العام 2007 وزارة للهوية والهجرة.. وجعلت الرئيس الحالي لفرنسا إمانويل ماكرون يعيش على أمل قيام اسلام فرنسي وحلم استعادة الفرنكوفونية لمكانتها التاريخية. نجد هذه الحيرة في أمريكا تتشكل في شعور حاد بخيبة امل تكتسح المخيال الأمريكي الجمعي بسبب سياسات «دونالد ترانب» والثقافة التي افرزتها والتي غيبت الهوية «الراقية» للشعب الأمريكي. في ألمانيا هنالك كذلك دعوة يطلقها زعماء اليمين ويلحون في تكريسها مطالبين بوجوب: «عودة الألمان الى الأمور التي تهمهم: من نحن الألمان ومن أين نأتي والى أين نحن ذاهبون؟؟»
لقد أحدثت العولمة تغييرا اقتصاديا واجتماعيا سريعا ولكن للعولمة نتاجات أخرى تكرس التنوع والتعدد وتكاثر المجموعات وبالتالي صعود الهويات وانفجارها التي كسرت الحدود الضيقة وخرجت للعلن بتعبيرات مختلفة وأقليات عابرة للقارات والعواصم والحضارات تعتقد بأن هوياتها الوطنية أو الدينية أوالإثنية أو الجنسية ... لا تلقى الاعتراف الكافي.
ولم تعد سياسة الهوية ظاهرة صغيرة تظهر فقط في الحدود الضيقة أو على خلفية المناوشات ذات الرهانات المحدودة الضيقة أو على خلفية المناوشات ذات الرهانات المحدودة في الحروب الثقافية التي تدعمها وسائل الاعلام. وبدلا من ذلك أصبحت سياسة الهوية مفهوما رئيسيا يفسر جزءا كبيرا مما يحصل في الشؤون المحلية والعالمية.
3 –
في الحالة التونسية، ان شباب ثورة الياسمين الذين انتفضوا وجروا وراءهم شرائح من شباب المدن والقرى التونسية، وبالتالي بقية المجتمع كانوا يبحثون عن هوية تعرفهم ارتبطت أساسا بالعمل والكرامة .. وخلال حكم الترويكا (2012 2013) عاشت تونس معركة أخرى من معارك الهوية وخلال كتابة دستور 2014 من قبل المجلس الوطني التأسيسي عاشت تونس كذلك على وقع جدل حول مضامين الدستور الجديد .. هذا الجدل الهوياتي عاد بحدة بعد يوم 1 جوان 2018 تاريخ صدور تقرير الحريات الفردية والمساواة بشأن مجموع المضامين السياسية والقانونية والدينية والأخلاقية ومسائل الأحوال الشخصية وقضايا الحريات والمساواة التي تضمنها هذا التقرير.
4 –
تاريخيا عرف مسار الهوية في تونس «صراعا» معلنا حينا وخفيا أحيانا بين تيارين اثنين: تيار محافظ وآخر تحديثي، تقود الشق الأول مؤسسة جامع الزيتونة التي امتاز اغلب مشائخها بسعة العلم ووسطية الرأي أما الشق الثاني فقد مثله الشباب العائدون من الجامعات الفرنسية والمتشبعون بثقافة فرنسية تنويرية ومن رموز هؤلاء الزعيم «الحبيب بورقيبة» و»صالح بن يوسف» والدكتور «محمود الماطري» و»محمود المسعدي» وغيرهم ..
خلال صراعهم الوطني مع فرنسا المستعمرة كانت الهوية التونسية التي عبروا عنها بالشخصية التونسية وأحيانا بالذاتية التونسية سلاحا رفعه هؤلاء الحداثيون في وجه فرنسا التي كانت تعمل على طمس معالم الشخصية التونسية بالفرنسة والمسخ والتغريب.
بعد استقلال البلاد أصبحت الهوية فكرا وجسرا للعبور الى التحديث والمدنية والعصرنة. ونذهب هنا الى ما يذهب اليه الزميل زياد كريشان من أن حركات الإسلام السياسي الوافد حديثا على المجتمع التونسي لم تكن تستعمل مطلقا مفهوم "الشخصية الوطنية " أو "الهوية العربية الإسلامية " وذلك لسبب يخص المرجعية الفكرية والفلسفية لهذه الجماعات فالهوية نتاج التاريخ وتصورات وابداعات وأحلام وأخلاق البشر بينما « .. حلم الإسلام السياسي هو إعادة الناس أفرادا ونظما ومجتمعات الى حالة من النقاوة و(المثالية) العقائدية والخارجة عن الزمان والمكان...»
الإسلام السياسي كان دائما ضد الهوية الوطنية أو القومية باعتبارهما انحرافات عن العقيدة الصحيحة ونوعا من أنواع الاستلاب الحضاري..
5 –
يرى الأستاذ الشاذلي القليبي – ونحن معه – أن ثقافة التونسيين الإسلامية منبعها مؤسسة جامع الزيتونة، فالاسلام بفضل هذه المؤسسة المباركة متأصل منذ قرون في جميع فئات المجتمع التونسي: فلا حاجة بنا الى حملات جماهيرية للتوعية بتعاليم الإسلام إذ هي حاضرة ثابتة جيلا بعد جيل في ضمائر الجميع كافة..»
أما ما قام به زعيم التحديثيين ومؤسس الدولة المدنية التونسية من اعمال تحديثية فمن خلال اجتهادات طبقا للمنطق الإسلامي لا من خارجه وبالاستناد الى آيات قرآنية مثل التي تتعلق بتعدد الزوجات وتعذر العدل والانصاف بينهن جميعا وفي ذلك إشارة الى أن الإسلام يحبذ الاقتصار على زوجة واحدة (شهادة للأستاذ الشاذلي القليبي).
6 –
التونسيون يواصلون – اليوم – جدلهم حول الهوية ولعلهم سيضطرون لخوض معركة أخرى من معاركهم الحضارية أمام قطعيات "الشريك المحافظ " في الحكم ومآزقه أمام سيرورة التحديث التي يمضي باتجاهها مجتمع بأسره.
فلا مجال اليوم أمام التونسيين - أحزابا في الحكم وعلى هامشه أو تعارضه ومجتمعا مدنيا ونخبا - غير التفاوض والعمل المشترك من اجل مجتمع متعايش ودولة قوية وعكس ذلك هو الفشل والانهيار وغرق السفينة في غياهب البحار حيث لا نجاة لأحد.
معركة الهوية اليوم تدار على عتبات الفوضى.. ليس بعيدا عن الفوضى ذاتها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.