بعد أن تحولت الساحة السياسية في الأيام الأخيرة إلى حلبة مناورات وصراعات، تدور تساؤلات عديدة لدى المتابعين حول من سيخرج منتصرا ومن سيكون مآله الهزيمة من بين مختلف الأطراف «المشاركة» في المعركة... تونس – الشروق- فاضل الطياشي تراوحت في الفترة الأخيرة الاستنتاجات والتخمينات حول المآل المنتظر ل»الحرب السياسية» الجارية منذ أشهر. وهي حرب تداخلت فيها أطراف عديدة من داخل السلطة نفسها وتحديدا من رأسي السلطة التنفيذية (الحكومة ورئاسة الجمهورية) ومن الحزبين الحاكمين نداء تونس والنهضة ومن السلطة التشريعية ( بعض نواب البرلمان) فضلا على تداخل أطراف أخرى من خارج السلطة على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة وبعض مكونات المعارضة. وعلى المستوى السياسي، إن المنطق يفرض أن كل طرف من الأطراف المذكورة يسعى من وراء هذه الصراعات الى الخروج «منتصرا» وذلك من خلال ضمان تموقع أفضل على الساحة السياسية مستقبلا خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2019. وهذا التموقع لن يكون متاحا إلا بهزم الآخر ومحاولة إبعاده. وهو ما بدا واضحا لدى كل الأطراف خلال صراعات الأشهر الماضية. اللهث وراء الربح رئيس الحكومة يوسف الشاهد يسعى الى إحاطة مستقبله السياسي بكل الضمانات. وهو ما جعله يبدي إلى حد الآن تململا تجاه تخييره بين الخروج من الحكومة أو الالتزام بعدم الترشح لانتخابات 2019. والفاعلون في حزب نداء تونس يريدون الإبقاء على المسك بزمام الشأن السياسي في البلاد في الانتخابات المذكورة إما لإعادة إيصال مؤسسه ورئيسه الشرفي الباجي قائد السبسي مرة أخرى الى سدّة رئاسة الجمهورية أو لتمهيد الطريق أمام شخص آخر يتفق المتابعون على أن الأقرب هو نجله حافظ قائد السبسي.وهو ما قد يُربكه طموح الشاهد في بلوغ الهدف نفسه. وبالنسبة الى حركة النهضة فإن مشاركتها في «المعركة» متأتية أساسا من رغبتها في المحافظة على تموقع قوي في المشهد السياسي للفترة القادمة يمكّنها من مواصلة التمركز في الصدارة إما منفردة أو عبر المواصلة في نهج التوافق مع نداء تونس. لكنها في المقابل تريد المحافظة على الاستقرار الحكومي خلال ما تبقى من الفترة النيابية الحالية خشية المس بطموحاتها في صورة ابتعاد الشاهد لذلك دعمت بقاءه. ومؤخرا انضم الى الصراع عدد من نواب البرلمان الذين بدت عليهم أيضا رغبة جامحة في التموقع الأفضل استعدادا للمرحلة القادمة لذلك انخرطوا في «الميركاتو» البرلماني عبر الاستقالات أبرزها استقالات نواب كتلة النداء أو الانضمام الى كتل أخرى أبرزها كتلة «الائتلاف الوطني». وبعيدا عن السلطة بدا الاتحاد العام التونسي للشغل فاعلا بارزا أيضا في المعركة خاصة مع تشبثه بتغيير الحكومة ورئيسها مبررا ذلك بفشلها في تحقيق الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الموعودة ومؤكدا أن دوره يتعدى الدفاع عن الشغالين الى الدفاع عن كل المواطنين في الطبقتين الفقيرة والمتوسطة فكان هذا الموقف تجاه الحكومة حفاظا على صورته الشعبية. ضبابية المعركة تتواصل الى الآن وسط بعض الضبابية حول مآلها المنتظر. وبقطع النظر عن النتيجة النهائية التي ستؤول اليها، يرى متابعون أنه وفق منطق الربح والخسارة فإنها لن تسفر في الأخير عن منتصر حقيقي. فما يحصل هذه الأيام من لجوء أغلب المتصارعين الى سياسة فرض الأمر الواقع وكسر العظام والمرور بالقوة لن تجدي نفعا. ولن تحقق مكاسب سياسية لأي طرف خصوصا أن أوضاع البلاد ما انفكت تزداد سوءا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. وحتى في صورة تحقيق أحد الأطراف الفوز فإنه لن يسعد بفوزه في الفترة القادمة وكذلك في استحقاقات 2019 مادام الوضع العام على هذه الدرجة من التأزم خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. منتصرون ومنهزمون قد يظهر يوسف الشاهد الى حد الآن في موقع متقدم عن البقية في ظل ما حققه على مستوى تحضير أرضية لمشروعه السياسي المستقبلي ( كتلة برلمانية، رغم نفي ذلك ) أو ما تحقق في الجهة المقابلة من خلال ما أصاب منافسه الاول حزب نداء تونس من ضعف جراء موجة الاستقالات. وقد يظهر أيضا منتصرا على البقية من خلال ربح أكثر ما يمكن من وقت على رأس الحكومة رغم الدعوات الملحة منذ أشهر الى ابعاده غير أن ذلك قد لا يضمن له انتصارا على المستوى الشعبي باعتبار أن فترة توليه مقاليد الحكم ستبقى الأسوأ لدى التونسيين بعد ما عانوه خلالها من مصاعب في معيشتهم ( ارتفاع الأسعار والضرائب وارتفاع نسب البطالة والفقر وعدم تحقيق الإصلاحات المنتظرة الى جانب النتائج السلبية المحققة على الصعيد الاقتصادي). نداء تونس قد يبدو بدوره منتصرا خاصة إذا ما تم المرور الى قرار «طرد» يوسف الشاهد من الحزب خاصة في ظل ما يتردد عن التحضير لذلك في الأسابيع القادمة، فيحقق بذلك تقدما معنويا على الشاهد في انتظار لململة أزمة الاستقالات من الكتلة البرلمانية وإمكانية ضم نواب من كتل أخرى وفي انتظار إمكانية تقوية التوافق مع النهضة من أجل تفعيل الاحكام الدستورية لإبعاد الشاهد من الحكومة. وبالنسبة للنهضة التي يرى ملاحظون أنها قد تكون المستفيد الابرز مما يجري خصوصا أنها بصدد مواصلة استعداداتها الهيكلية هذه الأيام تحضيرا للفترة القادمة. لكن هناك من يرى أنها قد تكون خاسرة داخليا من حيث اختلاف المواقف داخلها حول دعم هذا الطرف أو ذاك وما قد تكشفه تطورات المرحلة القادمة. وفق جل المتابعين فالثابت أن منطق الربح والخسارة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية العليا التي ستكون المقياس الحقيقي للانتصار أو للهزيمة مهما كان الطرف المعني بها أما اذا بحث « المتصارعون» فقط عن مصالحهم الحزبية أو الشخصية الضيقة على حساب الوضعين الافتصادي والاجتماعي فإن الخسارة ستكون مآلهم جميعا.