يبدو أنّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد تمّكن إلى حدّ الآن، وفق بعض التعاليق والقراءات، من قلب المعطيات لصالحه وإضفاء مزيد من العقبات أمام خصومه السياسيين وفي مقدّمتهم المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي ومساندوه وقطع الطريق أمامهم للإطاحة به. وإن حسم الاتحاد العام التونسي للشغل في مصير الشاهد وهدد بالتصعيد في حالة عدم تغيير الحكومة، بقي موقف حركة النهضة مراوحا مكانه رغم تأكيد منجي الحرباوي رئيس المكتب الإعلامي لحركة نداء تونس تغير موقف الحركة بعد لقاء سريّ جمع بين الشاهد وجهات رسمية تونسية بوزير المالية التركي الجديد خلال رحلة العودة من الصين. فأوضح في تصريح ل«الشارع المغاربي» أنّه «مباشرة تغيّر موقف حركة النهضة مائة بالمائة» وأضاف «كلّ خوفنا أن يكون موقف الحركة هو نتيجة لضغط خارجي من جهات تكون موالية لها وتكون لديها قرابة إيديولوجية معها..» العامل الزمني في خضم هذه التغيرات والتخبط السياسي لمختلف الفاعلين من الأحزاب، استغلّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد اختلاف الأطراف السياسية والنقابية في تحديد مصيره، ومصير حكومته وتباين مواقفهم إلى حدّ التضارب إلى جانب العامل الزمني إذ، كما هو معلوم، تفجّرت الأزمة السياسية مع بداية العطلة البرلمانية والصيفية ما أعطى الشاهد حيّزا زمنيا مهما للتخفيف من حدّة الصراع ضدّه. تطّور الوضع واشتدّ منذ يومين بعد أن عمد ثمانية نواب إلى الاستقالة من الكتلة البرلمانية لنداء تونس وتعبيرهم عن نيتهم في الالتحاق بكتلة الائتلاف الوطني الجديد، استقالة أثارت غضب المدير التنفيذي للحركة ومسانديه ودفع بهم إلى إصدار بيان شديد اللهجة يتهمّون فيه رئيس الحكومة بشتى التهم. العديد يتساءلون إلى متى ستتواصل إلى هذه الأزمة السياسية وعن تداعياتها على مستقبل البلاد وعلى مستقبل الانتقال الديمقراطي، ومتى ستجرؤ مختلف الأطراف السياسية والحزبية والمنظمات الوطنية في الحسم نهائيا في هذه الأزمة وإيقاف نزيف المهاترات الشخصية. اعتبر العضو السابق للمكتب التنفيذي لحركة نداء تونس مهدي عبد الجواد في تصريح ل«لصباح الأسبوعي» أنّ «استقالة النواب الثمانية والاستقالات السابقة هي نتيجة حتمية لاختيار القائمات سنة 2014، كما يقول السيد المسيح من ثمارهم تعرفونهم، فعند اختيار القائمات تمّ تقريبا الاستغناء عن مناضلي ومناضلات الحزب في الجهات وعلى المستوى الوطني دون ضبط المقاييس الموضوعية فاختيار المترشحين». ثقافة الانتهازية والتملق وأضاف عبد الجواد «لعبت ثقافة الانتهازية والتملق والطمع والعلاقات الشخصية والمال السياسي دورها في اختيار النواب، وبالتالي فإنّ «البازار» الذي نشاهده منذ سنة 2014 هو نتيجة طبيعية لهذا الفلكلور الجماعي، فأغلب النواب وجدوا أنفسهم صدفة بالبرلمان، فنجد من تنقل من كتلة إلى كتلة بسرعة الضوء في ظرف أربع سنوات دون وجود خيط ناظم» وقال مهدي عبد الجواد إنّ «ما يحدث اليوم هو محاولة من هؤلاء الذين ذاقوا منافع نيابة الشعب للتموقع من أجل 2019، وأغلبهم يراهن على ارتفاع منسوب الغضب الشعبي من الأحزاب السياسية القائمة معتقدين أنّ يوسف الشاهد «ماكرون الشاهد»، فهم يتموقعون منذ الآن على عتبات مشروعه السياسي المنتظر». وبيّن محدثنا «محاولات تدمير ثقة الناس في الأحزاب وفي النواب وفي البرلمان هو تدمير لمستقبل الانتقال الديمقراطي، فهؤلاء يسعون إلى تدمير الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية من أجل التموقع في المستقبل وهذه محاولة لانتحار سياسي جماعي». وقال عبد الجواد «أغلب المتواجدين على الساحة السياسية أصبحوا نوابا ووزراء عن طريق الصدفة بما فيهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي لم يكن له أي مسار سياسي ولا تاريخي وهو الآن يحاول أن يصبح عنوة رئيسا للتونسيين». والسؤال المطروح وفق قوله «هل ننحن فعلا مقتنعون أنه علينا أن نبني دولة ديموقراطية تقوم على مؤسسات حقيقية وفاعلة لأن أغلب النخب التي صعدت بعد 14 جانفي نخب لا علاقة لها بالسياق التاريخي الذي أنتج هروب بن علي وسقوط نظام التجمع». المرشح الأفضل وأكد عبد الجواد أنّ « يوسف الشاهد يريد قتل كل الكتل النيابية والأحزاب ومن أشلائها وجثثها يصنع مشروعه الشخصي، ولسائل أن يتساءل ما المشروع الذي يريده لنفسه؟ وهل هو من الأشخاص القادرين على حمل مشروع إصلاحي وتقدمي؟ فهو في نهاية الأمر شخص تتجمّع حوله مجموعات توهمه بأنه يمكن أن يكون منقذا لتونس». في سياق متصل أوضح المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح ل«الصباح الأسبوعي» أنّ «ما حصل أخيرا يدعم التوجه السياسي ليوسف الشاهد الذي لم يعد بالإمكان التعامل معه كرئيس حكومة فقط وإنما التعامل معه كشخصية قيادية يقع تلميع صورته وتهيئته عبر مجموعات عديدة من أجل أن يكون المرشح الأفضل لهؤلاء في الانتخابات الرئاسية القادمة» وأضاف الجورشي «ما يجري حاليا هو صناعة «زعيم جديد»، أما الخاسر في كلّ هذه التطوّرات هو حافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية الذي رغم الدعم الذي تلقاه من عديد الأشخاص والأطراف الحزبية القريبة منه لم ينجح في قطع الطريق أمام الشاهد والإطاحة به.» ويبدو أنّ حركة النهضة، وفق قول الجورشي، «ستجد نفسها في وضعية صعبة رغم أنّ الطموح السياسي ليوسف الشاهد يتّضح أمامها شيئا فشيئا دون أن تتمكن من إقناعه بعكس ذلك، والأيام القادمة قد تكون حاسمة، وتأكيدا لهذا التوقع من الذي من شأنه أن يحافظ على استمرارية الحكومة ولكن سيخلط الأوراق خلال سنة 2019.