هل يمكنك أن تقضي ليلتك في منزل ثم تقضي ليلتك الموالية في منزل آخر؟ إن صعب عليك الأمر فتذكر أن هناك من السياسيين التونسيين من يطوف بين حزب وآخر وبين كتلة برلمانية وأخرى ولكن أي أثر لهذا على الاستقرار السياسي؟. تونس الشروق: لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع باستقالة حزبية أو سياحة برلمانية أو ظهور حزب جديد على أنقاض آخر قديم. اليوم جاء دور منصر والكحلاوي اللذين تزعما المنسحبين من حراك تونس الإرادة، ودور تنسيقية «نداء تونس» ببن عروس التي قدمت استقالة جماعية، ودور ابتسام الجبابلي التي استقالت من كتلة النداء. بالأمس انشطر حزب المؤتمر ليفرّخ عددا من الأحزاب الصغيرة نسبيا، وبعده تفتت حزب نداء ليقدم لنا مجموعة من الحويزبات، وقبلها وبعدها وبينها نشطت السياحة الحزبية والبرلمانية حتى صرنا نجد صعوبة فعليا في التعريف ببعض النواب أو القياديين الحزبيين ونخلط في تحديد صفاتهم ومسؤولياتهم ونضطر أحيانا إلى فتح قوسين للتذكير بانتماءاتهم السابقة واللاحقة والآنية… غدا لن نكتشف بالضرورة واقعا مغايرا فالغالب على الظن أن تتواصل هذه الظاهرة وأن تشتد ولكن ما سببها؟. غياب الديمقراطية يتحدث أغلب المستقيلين والسائحين عن غياب الديمقراطية في أحزابهم السابقة واستئثار بعض القياديين أو واحد فقط بإملاء أوامره وأفكاره ما يدفعهم إلى البحث عن فضاء آخر. غياب الديمقراطية يكاد يوحد بين جل الأحزاب التونسية التي تنادي في كل خطاباتها بالديمقراطية ولو كان السبب الوحيد لتفككت كل الأحزاب ولتنقل كل سياسي من حزب إلى آخر أو كتلة برلمانية إلى أخرى ما يعني أن هناك أسبابا أخرى: فلو تمعنا في خارطة الاستقالات والانشقاقات والسياحات السياسية والبرلمانية للاحظنا أنها لا تهم في الغالب الأحزاب المتأدلجة فحركة النهضة مثلا لم تشهد أي استقالة برلمانية منذ استقالة نذير بن عمو ولم تشهد استقالة حزبية ذات بال منذ انسحاب أمينها العام سابقا حمادي الجبالي. وبالتوازي فإننا لا نجد انسحابا أو انشطارا مهما في حزب يساري أو قومي ذي ايديولوجيا واضحة ما يعني أن الاستقالة أو السياحة تهم من لا يملك ايديولوجيا أو مرجعية قوية. انتقالات بمقابل من الملاحظات الجديرة بالانتباه أيضا أن جل الاستقالات والانشقاقات تهم الأحزاب حديثة العهد بالتأسيس والشخصيات حديثة العهد بالنشاط السياسي أي تلك التي لا تملك إرثا حزبيا تدافع عنه. كما ان كثرة الأحزاب وتشابهها في البرامج والأهداف والمرجعيات تسهل انتقال المتحزب من هذا الحزب إلى ذلك متى التقت مشيئته بمشيئة مؤسس الحزب الجديد أو مؤسسيه. ومن الأسباب الموضوعية أيضا حداثة التجربة الديمقراطية في تونس بعد عقود من سيطرة الحزب الواحد وفتح الباب أمام المعارضة الصورية وغلقه أمام المعارضة الحقيقية. كما إن الموضوعية تفرض علينا التطرق إلى وجود انتقالات من حزب إلى آخر ومن كتلة إلى أخرى بمقابل مادي أو عيني وهذا يجد الترحيب من السياسيين الذين لا يطمحون من نشاطاتهم الحزبية إلا إلى تحقيق المنافع المادية والوصول إلى السلطة فأي تأثير لهذه الظاهرة على المشهد السياسي؟. هشاشة سياسية لا تساعد الهشاشة الحزبية على استقرار المشهد الحزبي ما يؤثر سلبا في استقرار المشهد السياسي. فالاستقرار الحزبي يعني محافظة الأحزاب القوية على وحدتها وتماسكها حتى توفر للحكومة الاستقرار المطلوب إن كانت أحزابا حاكمة وتحرس الديمقراطية وتمنع الأطراف الحاكمة من التغول إن كانت أحزابا معارضة، وكل خلل يؤثر في الحكومة بصفة خاصة والمشهد السياسي كله بصفة عامة. بالقياس من الصالح للمشهد السياسي أن تكون القوى البرلمانية ثابتة أو على الأقل شبه ثابتة حتى نفرز الكتل التي تؤيد الحكومة من الكتل التي تعارضها ونستشرف مدى القدرة على منحها الثقة أو سحبها منها ويستطيع الناخب الحكم على النواب الذين صوت لهم لكن المشكلة في تونس بعد حوالي 4 سنوات من تشكيل مجلس النواب أن الكتل النيابية لم تعرف الثبات بعد بل إن بعضها يتضخم على حساب كتل أخرى فيما نفاجأ حينا باضمحلال كتلة وحينا أخرى بميلاد أخرى. اليوم لا أحد يملك القدرة على دعم الحكومة ولا على إقالتها ولا أحد يعرف هوية الحزب الذي صوت له ولا منهجه ولا روحه ولا أحد يعلم مصير المتحزب الذي صوت له في الدورة الانتخابية الماضية ولا تموقعه في الخارطة الحزبية اللاحقة. مشهدنا الحزبي هش وهشاشته تقود إلى هشاشة المشهد السياسي لا تنسوا أن النمو الاقتصادي والرخاء الاجتماعي محكومان بالاستقرار السياسي.