بعد حديث رئيس الجمهوريّة البارحة والذي كشف فيه أوجها خطيرة من الراهن السياسي الذي تمرّ به بلادنا من انقسام وعطالة دستوريّة وتوقّف مسار التوافق: هل فقدت النخبة والأحزاب بوصلتها؟ هل بات صراع السلطة هو الأهم وفي صدارة الأجندات الحزبيّة وأجندات مختلف الفاعلين السياسيّين؟ من الجليّ اليوم أنّ مختلف الأحزاب تعيش حالة من الفوضى الغريبة التي شوّشت المشهد العام في البلاد وراكمت من حالة الضبابيّة وعسّرت من سبل الوصول الى حلول للأزمات الماثلة وعلى رأسها الأزمة السياسية التي باتت بانعكاسات سلبيَّة خطيرة على الوضع العام في البلاد وأربكت العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذيّة وشوّشت على الأداء الحكومي وأداء مختلف الإدارات والأجهزة التنفيذيّة بما راكم الملفات وعسّر من مهمّة اتخاذ القرارات اللازمة وفي توقيتها المطلوب لتفادي المشكلات والتعقيدات والأزمات الماثلة والطارئة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا على غرار الأزمة المأساة التي وقعت في الوطن القبلي نهاية الأسبوع المنقضي والتي تميّز الجزء الكبير من التعاطي معها بالتسيّب والتصريحات المتهافتة وانعدام المسؤوليّة الأخلاقيّة والسياسيّة ومحاولات التوظيف والركوب السياسوي الفج ونوايا تصفية الحسابات الضيّقة والاصطفافات الإعلاميّة الفجّة والسياسات الإتصاليّة الدعائيّة المتهافتة على حساب آلام الناس وجراحاتهم. معارك لي ذراع من هذا الجانب ومن ذاك والتجاذبات المحتدمة أفقدت الحكومة هويّتها وقلّصت من نجاعة مردودها وعمّقت من مشاعر الخوف من ضعف الدولة بل وغيابها وعجزها عن مجاراة نسق ما يعتملُ في المجتمع من تَغيُّرات متسارعة فيها الكثير من مظاهر العنف والتوتّر وعدم احترام القانون، تَغيُّرات كلّها تدفعُ الى تمظهرات مختلفة للفوضى المجتمعيّة. اللافت أيضا ما يجري في باردو من سياحة حزبيّة وبرلمانيّة محمّلة بروائح الانتهازيّة والمصلحيّة والبحث عن التموقع السياسي والغنائم ومناهج الترغيب والترهيب التي تُمارسها لوبيات ومجموعات المصالح المرتبطة بمختلف مراكز النفوذ داخل السلطة، سواء في قرطاج أو القصبة أو باردو، ومواقف وتصريحات سطحيّة لا ترقى إلى مستوى اللحظة الصعبة الراهنة التي تعيشها البلاد على أكثر من مستوى وتتجاهل الدور المحوري للسلطة التشريعيّة في مهمّة الإنقاذ الوطني وتعزيز عناصر الاستقرار والتهدئة وخدمة الشأن العام بما يوفّر التنمية والحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد وبما يُحقق شروط تحسين ظروف عيش المواطنين من مختلف الفئات وفي مختلف الجهات. المطلوب، وقفٌ فوري لحالة التسيّب السياسي وهوس السلطة والتموقع، والانكباب عاجلا على فضّ نهائي توافقي للأزمة السياسيّة برسم هويّة واضحة للحكومة وتعزيز قدراتها وتمتين الحزام السياسي الداعم لها وتحفيزها بمختلف الأساليب للقيام بالمهمات العاجلة للإنقاذ الاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات الكبرى والمواكبة الحينيّة لكلّ المستجدّات الوطنيّة، مع تقديم العون والمرافقة وكل آليات العمل اللازمة للمجالس البلدية المنتخبة والتعجيل بإجراء الانتخابات الجهويّة لتركيز مجالس الجهات والمرور بتجربة الحكم المحلي الى الآفاق المأمولة والمنتظرة وفق ما حدّدهُ دستور الثورة. كفى عبثا، وكفى استهتارا بمصالح البلاد واستحقاقات الناس، كفى تسيّبا فالوضع لم يعد يحتملُ إطلاقا ألاعيب السياسيّين ومناوراتهم ومؤامراتهم.