مكتب الساحل: أن يُطلب منك تشريفا أن تتحدث حديث الذكريات وأنت المعلّم «رسول بلا رسالة» (*) فتخرج منك أحداث التصقت بذاكرتك لأكثر من أربعين سنة وكأنها البارحة، فأنت، وأقولها مستعرضا شريطا أعتز به أيما اعتزاز: تذكر يوم أن شاركت في مناظرة لحفظ القرآن الكريم كلّه وأنت في العاشرة من عمرك وتلميذ السنة الرابعة ابتدائي وتفوز بالجائزة الأولى، وتذكر أيامك وأنت معلّم ترشيحي في الستينات من القرن الماضي بمدرسة ابن خلدون بالقلعة الكبرى، وتذكر وقد عُينت لأداء واجب تربوي وطني للعمل بالنظام الدوري بمدرسة في ريف الوسلاتية ولم يُقعدك الحادث المروري وجانب من صدرك تحت الجبس فتقطع الإجازة للعمل (مجبّسا). وتجيء محطة مهنية أخرى فتُعيّن معلّما بمدرسة المحطة بسوسة ثم تقطع هذه المحطة لتُعيّن ضمن البعثة التعليمية بالشقيقة ليبيا وتبقى هناك أربع سنوات تركت فيها أثرا طيّبا مشرقا، والله شهيد على ما أقول، وتعود ثانية إلى مدرسة المحطة حتى يدفعك الطموح المهني لتنجح في مناظرة التفقد وتعمل في دائرة جبنيانة والحنشة وجزء من مدارس قرقنة لمدة ثلاث سنوات. وتعيدك الأقدار إلى دائرة التفقد بالقلعة الكبرى ثم دائرة أكودة حتى الإحالة على التقاعد وشرف المهنة، وها أنت اليوم تعدّ السنوات فإذا هي أكثر من 40 سنة فتحصد ما زرعت حبّا واعتزازا وشرفا من أبنائك التلاميذ وزملائك المعلّمين يقضون حاجتك ويقدمون لك شواهد التقدير وأحاديث الذكريات التي تثلج الصدر وأنت تردّد من أعماق قلبك «اللهم اشهد أنّي بلّغت». واليوم أشدّ على أيادي زملائي المباشرين للعمل وأهمس في آذانهم «ما ضاع شرف وراءه من شرّف وأخلص، ودعوا من يتحسّر خطأ على أيام زمان ورددوا: قم للمعلّم وفّه التبجيلا كاد المعلّم أن يكون رسولا.