تونس «الشروق»: مناطق تغرق، تراجع في الصابة، أمراض جديدة، وامتداد في موسم الصيف أمطار هذا العام انطلقت منذ الصيف لتفاجئ التونسيين، حيث اجتمع الحر والمطر. كما تفاجؤوا بطابعها الطوفاني الكثيف وبأنها في غير موعدها الشتوي المعتاد. فهل هي بداية «كوارث» التغييرات المناخية العالمية. عندما يتغير المناخ وترتفع درجات الحرارة أو تتغير الفصول فإن هذا ليس مجرد تأقلم مع الملابس اليومية المستعملة، بل أن المناخ جزء لا يتجزأ من الصحة والنقل والصناعة والفلاحة. دراسات تشير دراسة لوزارة البيئة تكشف تأثير التغيرات المناخية في مياه البحر وارتفاع مستوى سطحه إضافة إلى تقدم البحر نحو اليابسة خاصة بالأراضي الساحلية شديدة الانخفاض مثل دلتا وادي مجردة (2600 هك مهدّدة بالانجراف ونقص الخصوبة) وسباخ الوطن القبلي (10 سباخ تمسح 730 هك) وخليج الحمامات (1900 هك مهددة خاصة بسبخة سيدي خليفة وسبخة حلق المنجل) وازدياد عدد الجزر في أرخبيل قرقنة وتعرض منطقتي رأس الرمل وبين الوديان بجزيرة جربة. كما ستؤدي مختلف هذه التغيرات حسب الدراسة المذكورة إلى نتائج سلبية مثل تراجع الانتاج الفلاحي وتقلص الأراضي الفلاحية إضافة إلى عدم تأقلم بعض الأنشطة الفلاحية مع الظواهر المنتظرة وتأثر الموارد الطبيعية الساحلية والتنوع البيولوجي البحري وتأثر المنشآت المعمارية في السواحل. وحسب دراسة للباحثة التونسية ليلى رضوان، فإن التغيرات المناخية ستؤدي الى تقلص المساحات المخصصة لزراعة القمح في تونس بنسبة 20 بالمائة سنة 2050. وتراجع إنتاج القمح بنسبة 50 بالمائة سنة 2020 في عدد من بلدان البحر الأبيض المتوسط. وحسب مصادر من منصة راج تقوم المخابر الجامعية والبحوث المندرجة ضمن وزارة التعليم العالي بمئات الدراسات حول الموضوع، لكن يجب العمل على تطبيقها والاستفادة منها. تأثيرات نفسية ؟ «الطقس كئيب ؟ ماذا يحدث ؟» «لم نتعود مثل هذا الطقس». هي عبارات تتكرر وأسئلة تنتاب التونسي. ففي وقت يستبشر فيه البعض بتغير المناخ وانتشار الأمطار، تنعكس هذه التغيرات على نفسية الكثير من التونسيين فما هي الأسباب. ربطت دراسات عديدة بين التغيرات المناخية وتذبذب الفصول والحالة النفسية، وكان الدكتور حبيب تريعة المختص في علمي النفس والاجتماع قد ربط بين تغير الفصول وانعكاسه على سلوك البشر بصفة عامة. وقال ان الإنسان يتأثر بالطقس. نلاحظ الهدوء في الربيع والشتاء ويكون الإنسان اكثر انفعالا في الحراة حيث يكثر القلق والاحباط. وبالتالي يكون السلوك اكثر عنفا وعدوانية. وذكر بدراسة ل«دارفورت» حول سلوك الانسان في علاقته بالطقس. ومن الطبيعي أن يضطرب الانسان في مناخ تتغير فيه الفصول، أو في طقس مغيم. كما أن التعود بنمط معين من الطقس ثم تغيره يؤثر في الإنسان. تحرّك ولكن أطلقت وزارة الفلاحة منذ أشهر إشارة انطلاق أنشطة إعداد المخطط الوطني للتأقلم والتكيف مع التغيرات المناخية لتأمين الأمن الغذائي. ويتضمن البرنامج عدّة مراحل منها النظر في السبل الكفيلة بوضع سياسات تكيف محكمة والتخطيط لتنفيذ الحماية من عواقب الاحتباس الحراري التي تطال الفلاحة والأمن الغذائي والشريط الساحلي والموارد المائية والصحة والبنية التحتية وإيجاد استراتيجية وطنية شاملة تحمي المواطن وتدعم الفلاحين والبحارة وغيرها، وذلك بإعداد المخطط الوطني للتكيف مع التغيرات المناخية(PNA) . لكن ورغم يبقى التنسيق بين مختلف الأطراف والوزارات منقوصا، كما تبدو طرق التفاوض من أجل الحصول على تمويلات دولية ناقصة حسب ملاحظات منظمة «راج». في المقابل نجد أن هناك مجهودات من باحثين للتنسيق فيما بينهم في قضية النجاة فيها جماعية، حيث تم الإعلان عن الشبكة المغاربية للباحثين والخبراء حول التغييرات المناخية ومصادر المياه البديلة والطاقات المتجددة، والتي بعثت مؤخرا في مقر المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس. آمنة فوراتي (منسقة شبكة راج) منصة توحد المجهودات بين كل الأطراف تحدثت آمنة ل«الشروق» عن مجهود خاص لمجموعة من الشباب يحاولون العمل على تشبيك المجهودات حول التغيرات المناخية، حيث تم إطلاق منظمة راج تونس وهي منصة GCF «المنتدى الأخضر للمناخ» تهدف إلى تزويد المواطنين وخاصة الشباب بقاعدة بيانات مفتوحة. وهي تصف الوضع والسياسات البيئية والمناخية في تونس من خلال تشريك مختلف الأطراف الفاعلة المؤثرة على المشهد البيئي والمناخي في تونس مع توفير قراءة نقدية لهذه السياسات بهدف تحسينها. ويندرج عمل المنظمة ضمن دعم دخول اتفاقية باريس حيز التنفيذ التي جاءت عقب المفاوضات التي عقدت خلال مؤتمر الأطراف 21 حول تغير المناخ في باريس سنة 2015. وقد وقعت تونس على هذه الاتفاقية في 22 فيفري 2016، وصادق عليها مجلس النواب في 10 فيفري 2017. وبعد إيداع وثيقة المساهمات الوطنية المعتزمة في سكرتارية اتفاقية الأممالمتحدة بشأن التغيرات المناخية. واعتماد تونس للأجندة 2030 التي أعدتها الجامعة العامة للأمم المتحدة إثر قمة ريو 2012 والتي تحدد أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر وذلك في 25 سبتمبر 2015 خلال قمة الأرض. وتهدف هذه المنصة إلى توفير قاعدة بيانات تصف مختلف الأطراف الفاعلة في مجال تغير المناخ والتنمية المستدامة في تونس من خلال قسم «الأطراف الفاعلة»، وتوفير قاعدة بيانات تصف مختلف المشاريع المتعلقة بالتغيرات المناخية والتنمية المستدامة المنجزة خلال فترة 20102017 بصفة خاصة. كما تقدم قراءة نقدية للسياسات البيئية والمناخية في تونس على شكل دراسات، ورقات سياسية ، مقالات، تقارير من خلال قسم «المناشير»، وتوفر مساحة للتعليم البيئي والمناخي على المستوى الوطني والعالمي من خلال قسم .«e-learning». زهير الحلاوي (كاتب عام الجمعية التونسية للتغييرات المناخية) تغييرات كبرى.. والاستعداد مستعجل هل من علاقة بين تغييرات الطقس والتغيرات المناخية العالمية التي يحذر منها الخبراء؟ - التغييرات المناخية ظهرت منذ السبعينات حيث أخذت درجات الحرارة في الارتفاع وهو ما ينعكس على الرياح وعلى الأمطار. ويتميز المناخ التونسي بأنه مناخ متوسطي حيث هناك البرودة في فصل الشتاء والحرارة في موسم الصيف على عكس مناخات أخرى تتميز بنزول الأمطار في موسم الحرارة والجفاف في موسم البرد والرطوبة. والتذبذب في المناخ هو خاصية أخرى لمناخ تونس، حيث لا يمكن إعطاء توقعات دقيقة حول الامطار. ويمكن أن نمر بسنوات جفاف ثم تنزل الأمطار. هذا لا ينفي أنه يجب علينا الوقاية من التغيرات المناخية التي بدأت آثارها في الظهور. يجب أن نفرق بين الطقس والمناخ، فالطقس يمكن أن يتغير مع كل فترة كعامل طارئ لكن المناخ هو التغيير على مدى طويل. وتعود أسباب ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض إلى أسباب طبيعية وأخرى ناجمة عن نشاط البشر في الأرض. ما هي انعكاسات هذه التغيرات المناخية ؟ - ترتبط إشكاليات تغييرات المناخ بمواضيع متعددة تهم كافة تفاصيل الحياة البشرية. فهي تنعكس على الفلاحة وعلى الملابس والمعمار وعلى الحياة البحرية. ونفسر ذلك بارتفاع درجات الحرارة وهو ما يعني ذوبان الثلج، وبالتالي ارتفاع مستوى البحر وبالتالي غرق مناطق من اليابسة في السواحل. كما أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر في التساقطات والتي قد تتراجع مع ارتفاع معدلات تبخر الماء. وهذا ينعكس على القطاع الفلاحي حيث يجب تغيير أو «أقلمة» النشاط الفلاحي مع معدلات التساقطات الجديدة ومستوى الملوحة. فمثلا قد يضطر فلاح في قرمبالية إلى تغيير زراعة الفراولة بسبب ارتفاع منسوب الملح في الماء مع تراجع تساقطات الأمطار، كما قد تغرق مناطق في قرقنة بسبب ارتفاع منسوب ماء البحر وانخفاض اليابسة. ارتفاع درجات الحرارة يؤثر ايضا في الحياة البحرية من ذلك نلاحظ بروز الحريقة في غير موسمها، وامتداد موسم الصيف. كما بدأت كائنات بحرية غريبة تتسلل إلى مياه المتوسط لتعيش فيه مع ارتفاع درجة حرارة هذه المياه وهي كائنات «شرسة» تعودت المياه الحارة في البحر الأحمر، وبالتالي ستهدد حياة كائنات المتوسط البحرية. هناك أمراض جديدة في علاقة بارتفاع درجات الحرارة. وزارة الصحة ومركز الأمراض الجديدة والمستجدة يعمل على هذا. كل هذه التغييرات ستنعكس ايضا على استهلاك الطاقة ونوعية الملابس التي نلبسها ومواعيد «التصييف»... ما هي الحلول المقترحة من الخبراء؟ قد ترتفع درجات الحرارة في تونس ما بين 1.2 و2.5 درجة. وعندما ترتفع الحرارة بحوالي 1.2 درجة فهذا يعني تغييرات في مناخ الجهات وأن تصبح حرارة الجنوب في الشمال مما ينعكس على الفلاحة. لذا لا بد من بجوث فلاحية تستشرف التغييرات، وإدراج هذه المادة في الدراسات الهندسية. نشير إلى سيناريوين الأول الأكثر قتامة حيث تحدث التغييرات دون أن يتحرك المجتمع الدولي وبالتالي علينا أن نتأقلم مع هذه التغيرات. والثاني ينجح فيه المجتمع الدولي في التكاتف للحد من تداعيات تأثر المناخ بارتفاع درجات الحرارة، وهذا يقتضي ان تتكاتف المجهودات الدولية وهنا لا بد من تحالفات دولية، ولئن لا تساهم دولة مثل تونس إلا ب 0.07 بالمائة من الانبعاث الحراري إلا أنها مسؤولة مع المجتمع المدني في مجابهة الظاهرة. وتبدو دول مثل الولاياتالمتحدة التي تتسبب بحوالي 30 بالمائة من الانبعاث الحراري والصين الاكثر إفرازا لثاني أكسيد الكربون. إحداث تغيير هو مسؤولية جماعية. وقد يصل ارتفاع الحرارة في العالم ما بين 5 و6 درجات. 20 بالمائة من مساحات القمح ستتقلص في تونس سنة 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة 22 فيفري 2016 توقيع تونس لاتفاقية باريس حول التغيرات المناخية 12 مرضا سيزيد انتشارها بسبب التغييرات المناخية وبسبب ارتفاع حرارة الأرض وهو ما سيؤدي إلى تفشي أمراض مثل أنفلونزا الطيور، والحمي الصفراء... 3 سنوات المدة التي وضعها الخبراء للحد من كارثة التغيير المناخي 52 صم نسبة الارتفاع الإضافي لمنسوب مياه البحر سنة 2100 مما يسبّب انجرافا بحريا بالمناطق المنخفضة على غرار سباخ خليج الحمامات والوطن القبلي وأجزاء من شواطئ بحيرتي اشكل وغار الملح وجزر قرقنة وجربة..