منذ نعومة أظافري لم أكن في حاجة إلى الفيزياء لأعرف مفعول الفراغ في الأشياء المغلقة وتلك التي لا وزن لها وخاصة المنتفخ هواء منها عندما تفيض المياه وتخرج من مجاريها متلوثة بألوان الوحل. فأنا ابن قرية جارة وادي مجردة أناديها اليوم «يا جارة الوادي تعبت وعادني ما يشبه «الكوشمار» من ذكراك». كيف لا وجارها مجردة علمني في ما علمني أن تلك الأشياء الفارغة المنتفخة التي لا وزن ولا قيمة لها هي التي تطفو على مياهه كلما فاضت وسالت وحلا وعفنا وجرفت وجردت ودمّرت كل ما اعترض سبيلها ودخلت منازل الناس وأتلفت أرزاقهم وأمستهم على احتياج مقيت ثم تعود المياه رويدا رويدا إلى مجراها الطبيعي لتهدأ وتستعيد نقاوة صفائها وبهاءها وعذوبتها وخريرها وهي تشغل حجر الوادي الذي لم يفارقه والثابت على بقائه في موطنه مهما نقلته السيول انظروا وتمعنوا في فيضان الثورة المزعومة وفيضان مجردة فالصورة واضحة ما يطفو على سطح هذه مثله يطفو على سطح الأخرى مما يسبح في الوحل من فارغ ومنتفخ وقليل الوزن ومتخشب ومتقصدر ومهم ومتروك منتهي الصلوحية مع جثث الكلاب والقطط والخنازير والثعابين والأفاعي السامة الحية. لا فرق عندي بين الفيضانين سوى ان فيضان مجردة جرد مدينة بوسالم وبعض المواطن المجاورة لحوضه فيما جرد فيضان المزعومة ثورة وطن بطم طميمه. وجاءت إعانات الدولة ولم تنفع متضرري فيضانات مجردة وحلت إعانات الخارج ولم تنفع وطنا وشعبا من كارثة فيضان الثورة التي جرفت ثوارها وأبقت ثيرانها المخصية. «يا جارة الوادي نمت وقد عادني ما يشبه الأحلام من ذكراك سمعت في المنام من ينادي «ما يبقى في الواد كان حجرو».ولم أسمع من ينادي لا يبقى في مجرى الشعوب ما يشتهي أعداؤها إلا الوطن.