تفاعلا مع ما انفردت بنشره «الصباح الأسبوعي» بعددها الصادر في 6 جويلية 2018 تحت عنوان «استعدادا للانتخابات التشريعية والرئاسية: نحو الترفيع في العتبة إلى 5 %.. وفي عدد نواب البرلمان إلى 231»، وبعد إشراف رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم الاثنين الماضي بقصر الحكومة بالقصبة على مجلس وزاري مضيّق بخصوص مشروعي قانونين أساسيين يتعلقان بضبط مقاييس تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد مقاعدها وبتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، بدأت بعض النخب السياسية والحزبية تتفاعل وإن كان باحتشام مع مشاريع القوانين المعروضة على هذا المجلس فيما خيّرت أخرى عدم الإفصاح عن رأيها في انتظار اجتماع مكاتبها وهيئاتها السياسية. الحديث عن تعديل القانون الانتخابي ليس بالمسألة المستجدّة على الساحة السياسية بتونس، فقد انطلق النقاش حول هذا الموضوع منذ تفاقم تداعيات التوافق السياسي واتساع رقعة التجاذبات و«البلوكاج» تحت قبة مجلس نواب الشعب، ما دفع برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في خطابه بمناسبة الذكرى 62 للاستقلال، إلى الدعوة إلى تكوين لجنة تعنى بالنظر في تعديل النظام الانتخابي بعد أن تزايدت الدعوات إلى ذلك. عودة الجدل على الساحة غير أنّ المستجدّ في هذا النقاش شروع رئاسة الحكومة بداية من الأسبوع الماضي في مناقشة مشروعي قانونين أساسيين يتعلقان بضبط مقاييس تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد مقاعدها وبتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، بعد استشارة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ما يعني أنّ مسار التعديل في النظام الانتخابي بدأ يأخذ مجراه الرسمي والجديّ. وإن بدت آراء ومواقف الأحزاب محتشمة، فإنّ المجتمع المدني لم يُدل بدلوه بعد في هذه المسألة ولم تصدر إلى الآن أي من البيانات في انتظار الاطلاع على تفاصيل مشروعي القانوني. لكن في المقابل أكّد منسق شبكة «مراقبون» رفيق الحلواني في تصريح ل»الصباح الأسبوعي» «أنّ المجتمع المدني في تونس أصبح أكثر اختلافا وأن جانبا منه أضحى يُغازل السلطة وتابعا للبلاط، ولكن كشبكة «مراقبون» نعتبر أنّ مسألة العتبة تُعتمد في العديد من الدول فهي ليست بالبدعة الانتخابية فتركيا مثلا تعتمد في الانتخابات عتبة ب10 % والهدف منها إقصاء الأكراد». فأوضح الحلواني أنّ «إقرار العتبة لا يكون لهدف انتخابي بحت وإنّما أيضا من ورائها أفكارا وخيارات سياسية، ففي تونس يبدو أنّ عتبة ب3 % لم تُرض بعض الأطراف السياسية ويدفعون نحو تكريس سيطرة «الكبارات» في المشهد السياسي». وأرجع منسق عام شبكة «مراقبون» أسباب التفكير في الرفع في العتبة إلى «تخوّف الأحزاب الحالية وخاصة منها أحزاب الائتلاف من موجة صعود المستقلين في الانتخابات البلدية بعد اهتزاز ثقة الناس فيها». طبقة سياسية لا تنفع معها أية تغييرات وقال الحلواني إنّ «مشكلتنا في تونس تتمثل في الطبقة السياسية ذات الأداء الضعيف جدا، فهي طبقة فاقدة لثقة الناس وعوضا أن تشتغل على استردادها وإصلاح أحزابها هيكليا والاشتغال على واقع التونسيين ومشاغلهم فإنها تسعى إلى تنقيح القوانين بما يساعدها على مزيد التغول والسيطرة على المشهد السياسي والعام». وأضاف «عوضا عن تُفكير الأحزاب والنخب السياسية في تغيير نظام الاقتراع كان عليها التفكير في تغيير أنفسها ومنهجها حتى يصبح لها حضور جماهيري يجعل الناس تختارها في الانتخابات». وبيّن محدّثنا أنّ «لا علاقة لنظام الاقتراع بالوضع السياسي المتأزم في تونس، وأن المشكل يكمن في النخب السياسية الحالية التي أصفها بطبقة غير نزيهة فيها من الفاسدين والسارقين لخيرات البلاد وفيها من المرتشين والانتهازيين يباعون ويشترون وهم غير أكفاء، هؤلاء لا ينفع معهم تغيير نظام اقتراع فانتخابهم بأكبر المتوسطات أو أكبر البقايا لن يغيّر في الأمر شيئا ولن يُبدل من حال البلاد، فالأزمة في تونس ليست أزمة سياسية وإنما أزمة أخلاقية بامتياز وأزمة مبادئ، فلدينا سياسيون هم «عتْبَة» على البلاد». ويخلص رفيق الحلواني إلى أنّ «ما نحتاجه في تونس لا تغيير القوانين أو العتبة وإنما تغيير الطبقة السياسية المرتشية والفاسدة وعديمة الكفاءة، وكل هذه المساعي هي مجرد قرارات شعبوية يُراد بها باطلا». تهديد التعددية الحزبية من جهتها أوضحت رئيسة منظمة «عتيد» ليلى الشرايبي ل»الصباح الأسبوعي» أنّ «منظمة عتيد ستعقد اجتماعا هذا الأسبوع لإصدار بيان بخصوص نوايا الترفيع في العتبة إلى 5% عوضا عن 3 % وتداعياتها». وبيّنت الشرايبي في هذا الشأن «أن التوجه نحو الترفيع في نسبة العتبة سيؤدي إلى إقصاء الأحزاب الصغيرة رغم أنّه سيؤدي أيضا إلى ترشيد الأصوات، وفي نفس الوقت سيتسبب في خسارة العديد منها خاصة في ظلّ الأوضاع السياسية الحالية وتراجع ثقة الناخبين في الطبقة السياسية في الأحزاب». وأضافت رئيسة منظمة عتيد أنّ «الترفيع في نسبة العتبة سيمسّ من مشاركة المستقلين وضمان صعودهم في الانتخابات القادمة كما كان الشأن في الانتخابات البلدية، فالنسبة الحالية مناسبة للشأن السياسي الحالي، والترفيع فيها سيمسّ من التعددية الحزبية والتقليص منها أيضا سيصعد من الميركاتو السياسي والسمسرة بين الأحزاب وشراء الأصوات، فمن غير المعقول أيضا أن نجد أحزابا لا تمثيلية ولا وزن لها في الشارع التونسي ممثلة بمقاعد في البرلمان»