بمناسبة انتظام الدورة التاسعة والعشرين لأيام قرطاج السينمائية اودّ أن أشير الى أن لكل عمل سينمائي ناجح مشروعا يؤسس له وأليات متنوعة لتجسيد أهدافه وهذا لا يتأتي في نظرنا الا باستمرار السينمائيين التونسيين في مراكمة تجاربهم ونجاحاتهم السينمائية عربيا وافريقيا وإثرائها بتفتحهم على التجارب السينمائية بالقارات الآسيوية والأوروبية الرائدة في هذا القطاع وبنجاحهم في استقطاب المستثمرين والمنتجين الكبار في الفن السابع ومشاركتهم أعمالهم السينمائية التي تجمع بين روائع الروايات العالمية والممثلين الموهبين والمحترفين والتقنيات المتقدمة لصنع الصورة السينمائية الحديثة بغاية تحقيق حلم السينما التونسية بمعانقة العالمية. إن هذه الملحمة السينمائية الجارية بنجاح منذ سنوات طوال وهذه الأفكار السينمائية الحالمة التي طرحناها ما كانت ترى النور لولا ارادة بناة دولة الاستقلال العصرية والمتمثلة في مبادرتهم فور شروعهم في بناء مؤسسات الدولة بتنفيذ مشروعهم التعليمي المعاصر الذي زاوج بين الاصالة والتفتح وأنجب جيلا مميزا من الفنانين المبدعين في مختلف الفنون ومن بينهم الفنان السينمائي الموهوب والمتفوق الاستاذ الطهر شريعة والأب المؤسس لأيام قرطاج السينمائية في منتصف الستينات والذي نشط قاعديا في حركتي نوادي السينما والسينمائيين الهواة فجر الاستقلال وبمشاركة ثلة من اصدقائه الشغوفين بالسينما والذي وجد الدعم من رائد الثقافة التونسية الاستاذ الشاذلي القليبي كاتب الدولة آنذاك الذي شجّع على فتح قاعات السينما بكل الجهات وكلّف وزارته باقتناء الحافلات السينمائية لتجوب كل الجهات لإيصال العروض السينمائية لعموم الناس للترفيه عليهم وتثقيفهم وتهذيب أذواقهم وبعث نوادي السينما بالمعاهد والجامعات فلاقت اقبالا هاما على عروضها من قبل الشباب المدرسي والطالبي فأصبحوا يتردّدون عليها بانتظام ليتمتعوا بعروض نوادي سينما الشباب Ciné jeunesse مساء كل جمعة وعروض نوادي هواة السينما Ciné Club صباح كل أحد تشفع بمناقشتها من قبلهم لكسب ثقافة سينمائية تحصّن عقولهم من الوقوع في براثن الانحراف والتطرف الديني والارهاب وغيرها من الآفات الاجتماعية المدمّرة للمجتمعات والأوطان، بينما تفتح قاعات السينما أبوابها مساء كل أحد في وجوه المولعين بالسينما لمشاهدة شريطين سينمائيين طويلين ناطقين بالعربية او الفرنسية (Deux grands films) يتخللهما عرض الاحداث لإبراز أنشطة رجالات الدولة في جميع المجالات الحياتية للمواطن، ولزرع الواعز الوطني والمواطني في مهج المواطنين وقد تعززت هذه الأنشطة السينمائية الحثيثة بإنشاء شركة الانتاج السينمائي SATPEC التي ساهمت مساهمة فعلية في النهوض بالصناعة السينمائية التونسية ولست ادري ما هو المصير الذي آلت اليه؟ لقد أمن باعث السينما التونسية الراحل الطاهر شريعة أن العمل السينمائي القاعدي الذي انطلق منه يبقى دائما المعين الذي لا ينضب لإثراء الانشطة السينمائية وتطويرها وأن الشباب المدرسي والجامعي يظل الجمهور المستهدف مباشرة بانتاجها ومخزونها الكامن لإشعال جذوتها كلما خبت وممولها الرئيسي بالاطارات السينمائية التي تجمع بين الخبرة والكفاءة للنهوض بها وديمومة رسالتها التربوية والثقافية لمعانقة الابداع السينمائي قاريا وعالميا وهذا ما وجب المحافظة عليه وفاء لروح أب السينما التونسية وخدمة لأهدافها النبيلة: مع الحرص على وضع مشروع طموح لصناعة السينما ببلادنا وذلك بالعمل على ترغيب أصحاب المال والأعمال من مختلف أنحاء العالم وخاصة من أبناء تونس بالداخل والخارج الذين مسكوا بناصية هذا الفن للاستثمار في صناعة السينما وذلك بتركيز منطقة سينمائية بعنق الجمل بنفطة بناء على نجاح الفيلم العالمي الضخم «حرب النجوم» La guerre des étoiles الذي دارت أحداثه على ارضها على غرار منطقتي Hollywood الأمريكية وCannes الفرنسية ونؤسس بذلك لصناعة سينمائية يمكن تصديرها على منوال دولة مصر وتصبح رافدا من روافد تنمية اقتصادنا وحتى لا نقول «حتى انت سينما.. يا سينما» كما جاء في أغنية لطفي بوشناق المتألق على الدوام.