«يوم غضب» عاشه أمس أساتذة التعليم الثانوي الذين خرجوا الى الشوارع في مسيرات حاشدة بمختلف ولايات الجمهورية تعبيرا عن رفضهم سياسة الحكومة في التعامل مع مطالبهم و تنديدهم ب»الاستخفاف» بمشاغلهم . تونس الشروق: في إطار مواصلة سلسلة احتجاجاتهم التي سطرتها الهيئة الادارية القطاعية ، وردا على ما وصفوه بالمقترحات «الهزيلة» لوزارة التربية وما سبقها من تهديدات ومغالطات تهدف الى تأليب الرأي العام ضدهم ، خرج أمس مدرسو التعليم الثانوي في مسيرات احتجاجية منددة بالتراجعات «غير المبررة «عن الاتفاقيات المبرمة مع سلطة الإشراف و التراخي المتعمد في الحسم في قضيتهم التي أثارت جدلا واسعا داخل الأوساط التلمذية والعائلية و التربوية و كذلك السياسية . و يأتي هذا التحرك الاحتجاجي تزامنا مع تواصل الاعتصامات التي تغزو المندوبيات الجهوية للتربية و الاستقالات شبه اليومية لمديري المؤسسات التربوية و نظارها في انتظار التجمع المركزي المقرر يوم 19 ديسمبر الجاري أمام مقر وزارة التربية و ما يمكن أن تتخذه الهيئة الإدارية القادمة من قرارات وصفها المحتجون "بالموجعة" . و أكد المحتجون الذين توافدوا بكثافة على بطحاء محمد علي قبل تحولهم في مسيرة سلمية الى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ، تمسكهم بجملة المطالب العالقة منتقدين المقترحات التي قدمتها الحكومة و «المغالطات» الصادرة عن وزير التربية الذي كان من الأجدر- وفق تعبيرهم- أن يبادر بتقديم حلول جذرية لحل الأزمة الراهنة بدل اعتماده سياسة التهديد التي لن ترهبهم. و لن تثنيهم عن مواصلة تحركهم ضد السياسة «اللاشعبية المعتمدة . مطالب عاجلة « أحجب أحجب الشهرية و المطالب هي هي «، و«شادين شادين في حقوق المربين «، و«التصعيد التصعيد و العزيمة من حديد «... و غيرها من الشعارات الأخرى رددها المحتجون بأصوات غاضبة ترجمت حجم الاحتقان الذي يسودهم في ظل تعنت الوزارة و تصلب موقفها تجاه ما وصفوه بالمطالب المشروعة مؤكدين أن عدم الاستجابة لها و اللامبالاة بمشاغل المدرسين و على رأسها الحسم في قضيّة التقاعد و منحة العودة المدرسية والمنحة الخصوصية سيضطرهم الى مزيد التصعيد في نسق الاحتجاج و خوض معارك نضالية غير مسبوقة تكون أكثر إحراجا للحكومة . وجدد المحتجون تمسكهم بحقهم في التقاعد الاختياري في سن ال55 سنة و30 سنة عملا مع التنفيل ب 5 سنوات تفعيلا لما نصت عليه اتفاقية 21 أكتوبر 2011 في بندها العاشر القاضي بتصنيف مهنة مدرسي التعليم الثانوي و الإعدادي بجميع رتبهم و الراجعين بالنظر الى وزارة التربية ضمن المهن الشاقة والمرهقة و سد الشغورات الحاصلة في أغلب المدارس الإعدادية و المعاهد الثانوية الى جانب المطالبة بتسوية وضعية آلاف النواب الموزعين على مختلف المؤسسات التربوية بكامل تراب الجمهورية و وضع حد لتدهور الوضع التربوي و سن قانون يجرم الاعتداء على المربين و على العاملين بالمؤسسات التعليمية . مقترحات هزيلة الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي مرشد ادريس وصف جملة المقترحات المقدمة من قبل الحكومة بالهزيلة و غير المسؤولة لما تضمنته من تراجعات مشيرا الى أنه في كل مرة يأمل فيها القطاع في الوصول الى اتفاق يرتقي الى مستوى انتظاراته، يتفاجأ برجوع الحكومة الى المربع الأول. وهي مسألة مرفوضة باعتبارها شكلا من أشكال التسويف و ربح الوقت . و قال ادريس إن السياسة المعتمدة في التعامل مع ملف المدرسين يكشف نية استهداف الاستقرار الاجتماعي و التربوي في ظل حكومة فاقدة للاستقلال الوطني و تدافع عن لوبيات الفساد و الإفساد. و لعل ما حدث في مجلس نواب الشعب خلال مناقشته ميزانية 2019 خير دليل على ذلك ، مما ينبئ بردة فعل شعبية تكون في مستوى السياسات اللاشعبية على حد تعبيره . والموقف ذاته عبرت عنه روضة بن عيفة (عضو بالجامعة) مؤكدة أن التفاوض سيتواصل في صورة وجود مقترحات جدية تستحق التفاوض في شأنها. و في غياب ذلك فإنه لا وجود لخطوط حمراء أمام المدرسين دفاعا عن مطالبهم المشروعة كلفهم ذلك ما كلفهم. و قالت بن عيفة إن "الحكومة تريد أن توصل الأزمة الى مداها في إطار مخطط لضرب المدرسة العمومية. و نحن سنصعد في قراراتنا الى أقصاها" . المشكل الأخلاقي و السياسي من جهتها أرجعت النائبة بمجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية سعاد الشفي( أستاذة العربية) أزمة التعليم الثانوي الى ما تعانيه الحكومة من مشاكل أخلاقية و أخرى سياسية. وتتمثل الأولى في كونها تعتمد أسلوب المخادعة و التحيل وتقديم معطيات مغلوطة. و هو ما يتجلى في الميزانيات المختلفة. حيث أن الحكومة تقدم فرضيات غير واقعية و نتائج لا يمكن أن تتحقق. و تحاول الإقناع بأن ذلك هو المشروع الوحيد الممكن اتباعه في تونس . و أضافت الشفي أنه - في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة أن موارد ميزانية 2019 شحيحة- نجدها تقدم مقترحات في اتجاه خدمة الشركات و المؤسسات الخاصة من خلال تقديم تخفيضات في الجباية و تأجيل استحقاقات جبائية أخرى مؤكدة أن تقديمها هذه المعطيات بهاته الشاكلة ليس الا تبريرا لتملص الدولة من الاستحقاقات الاجتماعية خاصة في الوظيفة العمومية و أساسا قطاع التعليم الذي يعاني من أزمة قديمة و مطالب مشروعة معترف بها من قبل الحكومة. لكن في إطار أزمتها الأخلاقية فإنها لا تبذل أي مجهود من أجل إيجاد حل لهذه المطالَب . أما على المستوى السياسي تضيف سعاد الشفي، فإن مشروع الحكومة خاضع لإملاءات الصناديق المالية العالمية و غير قادر على أن يكون طرفا مفاوضا قويا ، وبالتالي تطبيق كل الإملاءات دون نقاش الى جانب خضوعه لضغوطات مراكز القوى المالية في تونس التي تعتبر أن إصلاح التعليم بكل جوانبه و أساسا المتعلقة منها بالأستاذ ليست من مسؤولية الدولة. بل تطالب بضرورة جعل التعليم خاضعا لمضاربات المؤسسات الخاصة . تصفية حسابات النقابي فخري السميطي صرح بدوره أن القطاع في مفارقة بين شقين أحدهما يدافع عن المدرسة و مستقبل التلاميذ والآخر حكومي اختار التصعيد و المواجهة خضوعا لخيارات سياسية و اقتصادية واجتماعية ذات أفق مختلف عن تطلعات كل التونسيين . و الجامعة العامةَ للتعليم الثانوي ليست الا النبض الحي في النسيج الاجتماعي الذي يدافع عن الخيارات الشعبية . و أضاف السميطي أن الهجمة التي تقوم بها الحكومة و تنويعها لآليات المغالطة ليست الا محاولة من أجل إسكات الصوت النقابي و الأساتذة الذين يقولون الْيَوْمَ عاليا من خلال «يوم الغضب «هذا أنهم ليسوا على استعداد للصمت أو السكوت مهما كانت أشكال الهرولة والاقتطاع و المغالطة. و هم الْيَوْمَ كما كانوا سابقا دعاة حوار و تفاوض. ولكن ملوا وضجوا سياسات المغالطة و المماطلة ، منبها الى أن الحكومة تريد أن تقوم بتصفية حسابات قديمة جديدة على حساب هذا القطاع الموحد المتماسك المتأصل وفق تعبيره .