اجماع واسع على وجود أزمة عامة خانقة، واجماع في المقابل على ضرورة التوصل الى حلول لتجاوزها وذلك عبر مواصلة الحوار والمشاورات.. تلك هي الصورة اليوم في تونس، حيث ترسخ تقليد الحوار والتشاور لحلحلة كل الأزمات.. تونس (الشروق) بعد أن بلغ الوضع العام في البلاد خلال الاسابيع الاخيرة حدا أقصى من الاحتقان والتململ لدى كل الأطراف، حصلت القناعة لدى الجميع أن مخاطر عديدة أصبحت محدقة بالبلاد قد تنسف الاستقرار والهدوء النسبي الذي تعيش على وقعه تونس منذ 2011 وقد يدخل جراءها التونسيون مرحلة صعبة ولا متناهية من الصراعات ومن الازمات المختلطة، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وماليا.. كلهم خاسرون منذ حوالي شهرين، تعيش البلاد على وقع ما أصبح يعرف ب»الأزمة الاجتماعية» التي شملت الحكومة والطرف الاجتماعي الأبرز في البلاد (اتحاد الشغل وبعض النقابات) بسبب ملفات الزيادة في الأجور، والتي انضافت الى «الازمة السياسية» القائمة منذ مدة بين عديد الأطراف.. تصعيد من هنا وهناك وتراشق بالاتهامات والانتقادات ورفض للتنازل عن المواقف ليتضح مع تقدم الوقت أنه لا أحد خرج مستفيدا من كل ذلك. فلا الخصوم السياسيين استفادوا سياسيا وانتخابيا وشعبيا، بل عكس ذلك فقدوا ثقة الشعب فيهم وأصبحوا مهددين بعزوف الناخبين عن التصويت لهم في الانتخابات المقبلة، ولا الأطراف الاجتماعية تمكنت من تحقيق مطالبها في كنف الهدوء، ولا الدولة تمكنت من تجاوز ازمتها الاقتصادية والمالية ولا المواطن استفاد على مستوى معيشته... ضرورة التشاور والحوار تعنت كل الأطراف وتمسكها بمواقفها ورفض التنازل أدى في الآونة الاخيرة إلى حالة انسداد تام لحلحلة الازمات المتراكمة أمام عجز كل طرف عن تمرير الموقف الذي يتمسك به. وهو ما أدى إلى حصول شبه قناعة على الأقل لدى الاطراف البارزة بضرورة العودة الى الحوار وإلى مزيد التفاوض. وكل ذلك أكدته اللقاءات «الجانبية» المتكررة التي جمعت ولا تزال رئيس الحكومة بأمين عام اتحاد الشغل حول ملف الزيادة في اجور الوظيفة العمومية والاضراب العام المقرر ليوم 17 جانفي القادم. كما التقى اول امس امين عام اتحاد الشغل مع رئيس الجمهورية للتاكيد حسب تصريحه على ضرورة ايجاد الحلول الكفيلة بتجاوز الصعوبات وتحمل كل الأطراف مسؤولياتها لتنقية الاجواء. كما أن التصريحات الواردة من هذا الطرف أو ذاك تؤكد أن الأطراف الفاعلة لم تجد افضل من الحوار لوضع حد لحالة الاحتقان السائدة..فوزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية كمال مرجان قال ان هناك مساعي لحل الازمة حلا وسطا يرضي كل الاطراف بين الاتحاد والحكومة ومراعاة ما تسمح به امكانيات الدولة. والامين العام المساعد باتحاد الشغل بوعلي المباركي اكد مؤخرا أن اتحاد الشغل مازال مستعدا للتشاور والحوار مع الحكومة خاصة ان السنة المقبلة ستكون صعبة ولا بد في رايه من تجنب الانزلاق نحو المخاطر والاحتقان خدمة للمصلحة الوطنية العليا، معبرا عن انتقاده ل»بعض الأطراف» التي لا تريد حلحلة ازمة الثانوي ومؤكدا على ان حلها لا يكون إلا بمزيد الحوار...كما أن رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر تدخل بدوره في ملف أزمة الثانوي من خلال لقاء وزير التربية للتباحث حول الحلول المُمكنة.. وكان رئيس الحكومة قد نفى مؤخرا امام البرلمان وجود أي قطيعة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وأنه سيتم استئناف جلسات التفاوض الجدي مع الاتحاد. تحمل المسؤولية هذه العودة إلى الحوار والتشاور قد لا تكفي لوضع حد لحالة الاحتقان والغليان السائدة لدى الجميع ما لم تكن مرفوقة برغبة حقيقية لدى كل الاطراف للحفاظ على المصلحة الوطنية العليا وبتقديم تنازلات من هنا وهناك إلى حين تجاوز المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد. فالحكومة مطالبة بالبحث عن مختلف الحلول الكفيلة بتحسين معيشة المواطن والتحلي بالارادة السياسية وبالشجاعة وبالصرامة في تطبيق القانون من أجل الضغط على الاسعار والضرب على أيادي المحتكرين والمضاربين فضلا عن ضرورة البحث عن موارد إضافية لميزانية الدولة (التهرب الضريبي – الاقتصاد الموازي – استخلاص ديونها العالقة – تنمية الاستثمار والانتاج والتصدير – التصدي لانزلاق الدينار - التقشف) حتى تتمكن من الاستجابة ولو جزئيا لبعض الطلبات الاجتماعية. والأطراف الاجتماعية مطالبة بتقسيط طلباتها في انتظار تحسن الوضعية المالية للبلاد ورئاسة الجمهورية مطالبة بلعب دور تعديلي كبير لتقريب مختلف المواقف ووجهات النظر والطبقة السياسية ( بمن في ذلك نواب البرلمان) مطالبة بالدفع نحو التهدئة العامة وبتقديم الحلول والمقترحات. أما إذا واصل كل طرف التعنت والتمسك بمواقفه ورفض التنازل فان ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد تعميق الازمة.. وساطة قطريّة «متعثّرة» تأكّد للشروق ومن مصادر متطابقة وجود وساطة تجريها شخصيات نافذة في النظام القطري بين حركتي النهضة والنداء بهدف تهدئة الخواطر وإعادة الوئام بينهما. ولئن لم تفض تلك المساعي الى حدّ الان الى لقاءات مباشرة بين قيادتي الحزبين، مثلما هو مأمول، فقد ثبت أنّ كلا الطرفين قد تقدّما بجملة شروط لاستئناف العلاقة، حيث يشترط نداء تونس تغيير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وهو مطلب قديم متعارف عليه، إضافة الى اعادة تشكيل هيئة جديدة للانتخابات وحل الهيئة الحالية في مقابل التعهد بالانتهاء من تركيز المحكمة الدستوريّة والحرص على توفير كل مستلزمات إجراء الانتخابات في موعدها، في حين لم تتضح بعد شروط حركة النهضة. وذكرت مصادر من نداء تونس أنّ حافظ قائد السبسي قد تواجد هذا الأسبوع في العاصمة القطرية الدوحة بهدف تلقي ردود حركة النهضة حول قائمة المطالب التي سبق تقديمها عبر الوسيط القطري. ولا يبدو لمتابعين عن كثب لهذا الملف أفق لحلحلة الأوضاع إيجابيا في ظل صعوبة تغيّر موقف حركة النهضة وتخليها عن مقولة الاستقرار الحكومي التي دافعت عنها لأكثر من نصف سنة اضافة الى الاستحالة الحالية لتأسيس أو بعث هيئة جديدة للانتخابات نظرا لقرب الزمن الانتخابي.