أفضت مجهودات الوساطة التي قام بها كل من راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ومحمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب إلى لقاء جمع يوسف الشاهد رئيس الحكومة بنور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وانتهى حسب الأوساط المقربة من الطرفين وبعد التصريحات الصادرة عنهما بعد هذا اللقاء إلى إنهاء الخلاف وتجاوز وضعية الصدام والجفاء وعدم التفاهم بعد أن بلغت التصريحات النارية الصادرة عنهما خاصة من الاتحاد أوجها بالمطالبة باستقالة الشاهد وإعلانه الدخول في إضراب عام بسبب سياسته التي اعتبرت خطيرة فيما يخص التفويت في المؤسسات العمومية وملفات اجتماعية أخرى في مقدمتها ما ينسب للشاهد من فشل في تحسين الوضع الاجتماعي للشعب. إذن جاء لقاء الشاهد والطبوبي ليزيل الخلاف بين الحكومة والاتحاد وليرفع الجمود ويعيد للحوار قنواته المعطلة منذ أشهر وتستعيد بذلك الساحة السياسية بعض هدوئها المطلوب لحل الكثير من الملفات الشائكة التي مثلت محور خلاف حاد بين الاتحاد والأحزاب من ناحية والحكومة من ناحية أخرى ولكن السؤال مهم الذي يطرح نفسه إذا كان إنهاء الخلاف بين الحكومة والاتحاد مطلوب وتحتاجه البلاد وإذا كان الاتحاد قد تراجع على ما يبدو على ما هدد به من الدخول في اضراب العام وتخلي عن قرار تصعيد الأجواء فما هي كلفة هذا الاتفاق الجديد بين الطرفين على إنهاء الخلافات ؟ وبأي ثمن وكلفة قبل الاتحاد التخلي عن سياسة الاتجاه الى الأمام في مطلب إقالة الشاهد ؟ وهل وراء عودة الود صفقة خفية بين الطبوبي والشاهد تقوم على تبادل المصالح والمنافع ؟ نطرح هذه الأسئلة في علاقة بما حصل من تفاهم أعاد قنوات الحوار بين ساحة محمد علي وقصر القصبة بعد أن عرفت جمودا طال كثيرا وأثر سلبا على الوضع العام بالبلاد نطرح ذلك لأن الملفات والقضايا التي من أجلها اتخذ الاتحاد العام التونسي للشغل موقفا حادا لا تزال تراوح مكانها دون حل ولأن الخطاب العنيف الذي صدر من قيادات مؤثرة في الاتحاد بخصوص مصير الشاهد وبقائه على رأس الحكومة قد بني على جملة من المعطيات وتأسس على تقييم لأداء الشاهد وصف بالفشل وبأن بقاءه يمثل خطرا على الوضع العام بالبلاد فما الذي حصل حتى تغير قيادات الاتحاد موقفها وتقبل بأن تتنازل وأن يصرح الأمين العام نور الدين الطبوبي بضرورة تغليب صوت العقل والحكمة وضرورة الحوار مع الحكومة لحلحلة الأزمة الراهنة ؟ في تقديرنا ما كان لهذه الأزمة أن تحصل منذ البداية وأن تتعمق وأن تطول أكثر من اللزوم خاصة إذا علمنا أن الوساطة التي قام بها الغنوشي ومحمد ناصر قد نجحت في عقد لقاء بين الطبوبي والشاهد لإعادة الحوار بينهما بما يعني أن أصل المشكل كان في ضعف التواصل وفي عدم القدرة على تجاوز صعوبات الحوار المنقطع وصعوبة التغلب على الجمود في العلاقات مهما كان حجم الخلاف فأصل الأزمة سببه غياب آليات الحوار والتواصل بما يعني كذلك أننا أضعنا أشهرا عديدة في أزمة حادة بسبب عدم قدرتنا على إدارة خلافاتنا من دون وساطة. ما يمكن قوله هو أن عودة الحوار بين الطرفين يأتي في وقت تعرف فيه حكومة الشاهد الكثير من المشاكل يحتم عليها التقليل من حجم الضغط عليها ويفرض كسب الاتحاد إلى جانبها أو على الأقل تحييده عن الصراعات الأخرى التي تهددها والاتحاد هو الآخر في حاجة الى مخرج من الورطة التي وقع فيها حينما راهن على قوته وعجز عن تنحية الشاهد عن الحكم جراء الإسناد الخارجي والداخلي الذي بتوفر عليه. ما يمكن قوله هو أن ترضيات بصدد الطبخ من أجل الخروج من هذه الأزمة الخانقة من مخرجاتها إجبار الحكومة على تقدم بعض التنازلات والقبول ببعض المطالب منها الزيادة في الأجور وها أننا بدأنا نرى بوادر هذه الترضيات في الاتفاق الذي حصل مؤخرا حول الزيادة في أجور الموظفين في القطاع الخاص في إطار مراجعة المقدرة الشرائية لهذه الشريحة من الموظفين وفي المقابل سوف يقدم الاتحاد على تنازلات ويتخلى عن أهم مطالبه ويتخلى أيضا عن الكثير من الملفات التي تتجاوزه وتتجاوز الحكومة كمنظومة الدعم وإصلاح منظومة الصناديق الاجتماعية بالطريقة التي يريدها صندوق النقد الدولي والتحكم في كتلة الأجور بتسريح العمال والتوقف عن الانتدابات في الوظيفة العمومية كما أوصي بذلك الصندوق مع التخلص من المؤسسات العمومية بالتفويت في أكثرها وإمضاء إتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي المعروف باتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق "الأليكا" لتحرير قطاعي الفلاحة والخدمات. ما أردنا قوله هو أنه إذا كانت أهم الملفات الكبرى لن تتراجع الحكومة عن موقفها فيها لتعهدات قطعتها على نفسها مع المؤسسات المالية العالمية وإذا كان الاتحاد غير قادر أن يجبر الحكومة على التراجع عن الاصلاحات الكبرى المفروضة على تونس من الخارج والتي سوف تضر بالمجتمع ويكون لها الأثر السلبي على عيش المواطنين فعلى أي شيء سوف يتحاور الإتحاد مع الحكومة ؟ وهل هناك من معنى للعودة إلى طاولة الحوار إذا كان مبنيا على قاعدة الترضيات المتبادلة وعلى قاعدة أمنحك الزيادة في الأجور في القطاع العام والخاص مقابل أنك تمرر لي الاصلاحات التي تعهدت بها الحكومة ؟ إننا تعيش في عالم الغلبة فيه للقوي .. والغلبة فيه لمن يملك عناصر قوة أكثر من غيره .. ومع الأسف هذه حال البلاد اليوم .