ادعو الى استعارة المنظومة الدينية كمادة خصبة للفعل المسرحي العربي المسرح التونسي اليوم مهدد من المنظرين الذين لا يتوفرون على ثقافة مسرحية ريادة المسرح التونسي حقيقة لا ينكرها الا الجاحدون ثائر ... متمرد في كل انتاجاته واعماله المسرحية التي تستنطق التاريخ وتنبش في الفكر العربي الإسلامي وتستشرف المستقبل.. متمرد على النص المسرحي الذي يرى ان عهد التقيد به قد ولى وانتهى، منتصرا لمشهديه فيها روح المخرج ومخزونه وثقافته المسرحية الرافضة للركح المحدود والحلم للمبدع لا حدود له ولا قيود تحد من الانطلاق والتحليق في الأفق الرحب بكل حرية. هو الفنان المسرحي حافظ خليفة *كيف كانت سنة 2018 بالنسبة لك على الصعيد المسرحي؟ كانت سنة النجاحات التي اعتز وافخر بها، سنة كللت بمشاركات وطنية ودولية وتتويجات وتكريمات، لعل من أهمها مشاركتي منذ حوالي 3 أشهر في جولة مسرحية عبر عديد المدن العراقية من بغداد والبصرةالى كربلاء وتقديمي عروضا مسرحية تطوعية لدور الايتام وأبناء الشهداء ... * وكان قرار الاستقرار النهائي في تونس - لا اخفي سرا اذا قلت ان عدم الاهتمام بالفعل المسرحي صيفا على وجه الخصوص هو من الأسباب التي دفعتني الى مغادرة الوطن صيفا، غير ان نجاح ملحمة «خضراء « وتمكني من توزيعها والتعريف بها على الرغم من ضخامة افرادها وراء الاستقرار في تونس، ثم ان ما يثلج الصدر هو الاهتمام الدولي الذي حظيت به هذه الملحمة من خلال مشاركتها في مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي وتتويج شركتي الخاصة «فن الضفتين» بجائزة افضل هيكل منتج من قبل غرفة الصناعة والتجارة للهياكل النقابية مع مشاركاتي الدائمة كممثل الى جانب انتاجي لأول كوميديا موسيقية عربية لفن كوميديا « ديلارتي» الإيطالية . 2018 كانت سنة النجاحات الفنية بامتياز *2018، على الصعيد الشخصي كيف كانت -يمكن القول ان من مميزات 2018 على الصعيد الشخصي تيقني من ضرورة مراجعة بعض الصداقات الواهية «الفايسبوكية» وحتى الواقعية. * وماذا عن افاق 2019 بالنسبة لحافظ خليفة -سيتجه اهتمامي بدرجة أولى لإنتاج الجزء الثاني من ملحمة «خضراء» التي تروي «السيرة الهلالية» الى جانب الانطلاق في تنفيذ العمل المسرحي الضخم الجديد لعميد المسرح التونسي والعربي الكاتب عزالدين المدني، والذي سأكشف عن تفاصيله في الوقت المناسب * إيطاليا التي قضيت بها 20 سنة، لم تنقطع صلتك بها ... هل في زياراتك المتكررة حنين الى البدايات ام بحث عن فضاء أرحب وانت الذي عدت لشبه استقرار دائم في تونس إيطاليا بالنسبة لي ملجا للحرية على جميع الأصعدة، ولا أخفى سرا احساسي بإحباط تجاه الابداع المسرحي والتوزيع على المستوى العربي في المهرجانات التي مازالت خاضعة لمبدأ الولاءات مما دفعني الى التفكير بجدية لتغيير الوجهة نحو المهرجانات الغربية التي توفر مساحة أكبر للحرية، ورغم هذا تبقى تونس مهدا لكل ابداع حر بالرغم من الجحود * كنت المبدع المغامر والمتمرد من خلال مبادرتك تجسيد الصحابة رضوان الله عليهم أشخاصا على الركح من خلال مسرحية «السقيفة» ...دون تردد او خوف من رفض لهذا التوجه تصل الى حد المواجهة الشرسة -خلال سنوات اقامتي بروما شاركت في مسرحية « الخادمات» وكنا نتمرن داخل قاعة من دير كنيس مسيحي وتحديدا بروتستيني المذهب بروما دامت تماريننا شهرا وكان الراهب في قمة السعادة وهو يرى ديره يؤمه الجمهور بشتى مذاهبه الرغم ان المسرحية لا علاقة لها بالدين وهي معاصرة والنص الكاتب جون جيني المتهم بالشذوذ الجنسي، ولكن النص كان يتحدث عن الحرية بشكل أكيد وفي حديثي مع هذا الراهب الذي يعلم اني مسلم وعلماني ،كان يؤكد على فكرة كيف انه سعيد بهذه التجربة وهو يرى الجمهور يأتي العرض أكثر عددا ممن يأتي إليه للصلاة ويقول لي أن في المسرح تكمن الحياة وهو يرى الانسانية من خلال المسرح واما الصلاة فهي شأن خاص بين المؤمن وربه..وكنت فخورا بهذه التجربة وكان ذلك الفضاء الكنسي مهما جدا لي كمخرج لما اضافه من صدى الأصوات وألوان غريبة من خلال شبابيكه الملونة. ويحدث ان التقي وأثناء مشاركتي لمهرجان الحسيني الصغير لمسرح الطفل بكربلاء سنة 2015 و2016 بسماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بالعتبة الحسينية المقدسة بكربلاء، وكنت صراحة اتصور لقاء شيخ طاعن في السن وبأفكار قد تكون مشوهة حول المسرح والمسرحيين، فوجدتني أمام رجل غاية في الثقافة والعمق والفكر وعلى دراية واسعة وقناعة بدور الفن عموما والمسرح خصوصا على تغيير الشعوب والنهضة بها ..فطرحت عليه سؤالا ارقني دائما خاصة بعد أن طرحته على الزملاء المسرحيين العرب والذين أبدوا لي خوفهم وامتعاضهم ورفضهم مع التهويل المجاني وهو : مثلما جسدت الصحابة الأجلاء بمسرحية السقيفة هل نستطيع تجسيد شخصية الإمام الحسين (ع س)على خشبة المسرح وبوجه عار؟ فكان جوابه هادئا وواثقا: اين المشكل! فأحسست بالخجل من نفسي ومن المسرحيين ومن النخب التي تهوّل المشاكل رهبة وخوفا من أوهام توجساتهم الخاطئة، وجدت الشيخ يتحدث بكل اعجاب عن مغامرة مسرحية السقيفة ويحثني ومن معي من المسرحيين العراقيين والعرب الحاضرين بلقائه بالبحث والابداع من أجل خير المجتمع والثقافة..و ان كربلاء مفتوحة للجميع مهما كانت الأجناس والمعتقدات. لأننا ضيوف الإمام الحسين (ع س).. وهنا اعود للتأكيد ان المسرح بإمكانه استيعاب الوجود فعلى المسرحي ان يكون انسانيّا بفكره وحرا وهذه الحرية تحرره من هوسه تجاه الدين والسياسة والاخر..من الممكن أن نتعامل مع الدين كمادة درامية هامة ومثيرة وكلنا نعلم أن المسرح نتاج أعياد دينية عند الإغريق في البدايات ثم عادت له الحياة وسط الكنيسة بعد القرون الوسطى المظلمة ..دون تناسي مسرح التعازي والتشابيه العربية..و النو والكابوكي الياباني والكتاكالي الهندي..انني لا انادي باقامة مسرح ديني ولكن استعارة المنظومة الدينية وأحداثه التاريخية كمادة خصبة وثرية للفعل المسرحي العربي وفتح الأبواب المغلقة وملامسة ما نعتقدها مناطق محضورة دون استخفاف او استفزاز ومنافسة ما قام به المخرجان الإيطاليان بيير باولو بازوليني وزفيريلي في فلميهما عن المسيح وحتى فيلم الآم المسيح لميل قبسون والذي شاركت به كممثل والعقاد في الرسالة فمن يبدع ويتعامل مع الدين كمادة فنية ليس بالضرورة متدينا كعبد الرزاق عبد الواحد ومؤلفه المهم الحر الرياحي والشرقاوي بالحسين ثائرا وشهيدا ،عوض الهروب إلى نصوص غربية مقتبسة وهجينة عن واقعنا العربي..و الخروج من حالة الوهن والمسكنة التي يعيشها المسرحيون وضرورة التخلص من هذا الوهم بالتوجس والخوف تجاه رجال الدين المتزنين والحياة والوجود. لان السماء تسع الجميع دون رفض او إلغاء. * عانيت من الجحود؟ -نعم في الكثير من الأحيان والمواقف * وكيف كان رد الفعل؟ -عدم الاكتراث واللامبالاة والإصرار على مشروعي الفني الذي ينصب على فتح أبواب مغلقة وممنوعة ومحظورة في تاريخنا الغربي * في اعمالك المسرحية لم تخرج من دائرة اعتماد الركح الشاسع دون حدود -يدخل هذا في إطار البحث عن فضاءات أخرى بديلة للعلبة الإيطالية التي شئنا ام ابينا هي دخيلة علينا وأحيانا لا يمكننا احتواء كثير من الاحلام * عند تسلم نص مسرحي ما هو اول شيء يتم التركيز عليه -ان عهد النص المسرحي المكتوب قد ولى وانتهى * كيف ذلك؟ -اننا نعيش اليوم عصر مسرح المخرج وليس المؤلف.. المخرج اليوم هو حمال للمقاربة وعلى المؤلف ان يكتب حسب رؤية المخرج، الإخراج اليوم ليس ترجمة للنص على الركح بل هو صياغة عرض كامل والنص جزء من هذا العرض، وتراني اليوم انصح بالحذر من بعض الطفيليات والدخيلين على هذا القطاع خاصة منهم المنظرين وأصحاب الأقلام الأدبية الذين لا يحملون ثقافة مسرحية ولا أخلاقية.