التاريخ... يوم الأحد، المكان سوق أسبوعية، بإحدى معتمديات بنزرت، حيث وصل كريم (اطار بنكي) رفقة زوجته، ليتصل فور وصولهما بوسيط أصيل المنطقة، للبحث عن فتاة لتشغيلها في منزله كمعينة منزلية مقيمة. بنزرت والقيروان وجندوبة من أكثر الولايات التي تستغلّ فتيات للعمل كمعينات منزليات مكتب بنزرت (الشروق) الوسيط كان كهلا في العقد الخامس من عمره له شبكة علاقات بعائلات الجهة. وهو على علم بالوضع الاجتماعي لأغلب العائلات. و له معرفة بعدد من الفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة. وجل الفتيات تتصلن به وتطلبن منه فرصة عمل بالعاصمة أو المدن الساحلية. والمهم ان ينجحن في مغادرة القرية ويلتحقن بالمدن. "كريم" عرض عليه يومها الوسيط ثلاث فتيات سنهن بين 13 و 15 عاما. يحذقن الأعمال المنزلية ليقع الاختيار على "دليلة"، التي انقطعت عن الدراسة في السنة الخامسة لتتفرغ الى رعي الأغنام. وهي البنت الوسطى في عائلة تتكون من خمسة أشقاء. وشقيقتها الكبرى البالغة من العمر 17 عاما تشتغل منذ 4 سنوات معينة منزلية بجهة باردو. اقتربنا" من "كريم" وحاولنا استفساره عن الأمر. وأوهمناه بأننا بدورنا نبحث عن معينة منزلية. فأكد أنه تحول في عدة مناسبات الى هذه المنطقة للبحث عن فتاة. وإنه سبق له أن شغّل فتاتين. لكنهما لم تبقيا طويلا عنده، ربما لأن شقته كبيرة و بنيتهما الجسدية لم تقدر على مجاراة نسق العمل. وإنه اشترط هذه المرة على الوسيط أن يكون دقيقا في اختياره للفتاة، وأن يعلم عائلتها، بكل ظروف العمل حتى لا يقع في نفس الإشكال مرة أخرى. شبكة وسطاء وأنت تتجول بهذا السوق، ستجد أكثر من وسيط. بل هناك سماسرة يأتون من تونس خصيصا، لهذا السوق ليكون لهم نصيب من فتيات يقع إقناعهن بالعمل كمعينات منزليات في العاصمة، وبأن الأجر الذي ستتقاضاه المعينة سيساعدها في تحقيق رغباتها. ويتقاضى الوسيط على كل فتاة مبلغا يتجاوز 100 دينار. وهذه الظاهرة موجودة في معتمديات جومين و غزالة و سجنان. حيث يستغل بعض السماسرة الوضع الاجتماعي المتردي لبعض العائلات لإقناع الفتيات بالالتحاق بالعاصمة للعمل وكسب المال. اعتداءات وسوء معاملة وغير بعيد عن جومين و في إحدى المناطق المعزولة، تنقلنا الى منزل صحبة قافلة خيرية، لتقديم مساعدات الى احدى عائلة، فاكتشفنا وضعية فتاة تدعى "حنان" عزباء في عقدها الثالث، سبق أن غادرت منزلها في أواخر التسعينيات، و توجهت نحو العاصمة، حيث تمكنت من العمل كمعينة منزلية، لدى إحدى العائلات. وانقطعت أخبارها تماما عن عائلتها، لتظهر بعد حوالي 15 سنة وليتبين أن اختفاءها مدة 15 عاما، كان بسبب تدهور حالتها الصحية. وهو ما دفع بمشغلها الى البحث عن عائلتها. ثم أعادها اليهم مع مبلغ من المال و دفتر علاج مجاني، تمكن من توفيره لها، بعد اتصاله بالسلط المعنية. وقالت "حنان" في حديثها ل"الشروق" "لقد كنت مجبرة على الخروج للعمل لانني سئمت الوضع الاجتماعي المتردي لعائلتي". اعتداءات جنسية ونحن نتقصى حول تشغيل القصر كمعينات منازل وعدم وجود صيغ تعاقد قانونية بين الفتيات وأصحاب هذه المنازل، تبين أنه توجد جرائم أخرى، تظهر من حين الى آخر. اذ أن بعض الفتيات يتعرضن الى سوء المعاملة من جهة والتحرش بهن من جهة أخرى.وتعرض بعضهن الى اعتداءات جنسية من ذلك تعرض طفلة تبلغ من العمر 14 عاما الى اعتداء جنسي. وقد تدخلت الجهات الأمنية للتحقيق في الأمر. وتكرر مثل هذه الجرائم وتسجيلها ناتج عن عدم تقنين عملية تشغيل الفتيات بالمنازل، وحرمانهن من حقوقهن المهنية. وهو ما يجعل البعض يستغل ضعف هذه الفئة الاجتماعية لاستغلالهن ماديا والتحرش بهن والاعتداء عليهن. وقد أثبتت الدراسات المنجزة من قبل المصالح المختصة، أن ولايات بنزرت والقيروان وجندوبة، تعد أكثر الولايات التي تشغل فتيات كمعينات منزليات لافتقاد هذه المناطق مصانع ومشاريع قد تستقطب الباحثات عن فرص عمل. الفقر والانقطاع المدرسي كما بين بحث مسحي، قامت به منظمة العمل الدولية عام 2016 تحت عنوان : "دراسة حول الأطفال العاملين في المنازل في تونس". حيث شملت العينة الفتيات المقيمات بولايتي بنزرتوجندوبة على اعتبارها أكثر الولايات التي تعاني من هذه الظاهرة . وأثبت البحث المسحي أن الوضعية الاجتماعية لعائلات الفتيات متدنية بمعدل دخل شهري لا يتجاوز200 دينار. كما أن المجال الجغرافي الذي تتمركز فيه، يشكو من تدهور البنية التحتية وغياب المرافق الأساسية. اذ أن معدل بعد المسافة للنفاذ الى الخدمات مثل المدرسة والوحدة الصحية والطرق المعبدة يتراوح بين 3 و 10 كلم، مما خلق ظروف حياة صعبة، فضلا على أن التغطية الاجتماعية للعائلات المعنية ضعيفة للغاية. وأشارت ذات الدراسة الى نسبة العائلات المنتفعة بالمساعدات الاجتماعية في اطار برنامج إعانة العائلات المعوزة بكل من جندوبةوبنزرت بين28 و 5 بالمائة. كما بينت هذه الدراسة أن ظاهرة تشغيل الفتيات انخرطت فيها العائلات بنفسها بالتنسيق مع السماسرة لغايات مادية بحجة تحسين الدخل الأسري.وهو ما يشكل شكلا من أشكال العنف الأسري المسكوت عنه . تدخل السلط...لكن من جهة أخرى اتصلنا برئيس المندوبية الجهوية للمرأة والأسرة والطفولة بولاية بنزرت لبنى الوكيل التي أفادت بأن : تدخل المندوبية وفق التراتيب المضبوطة، لوضع طفولة مهددة، ومنها هذا الشكل المتمثل في الاستغلال الاقتصادي عبر التشغيل لقاصرات معينات منزليات من مناطق ومعتمديات داخلية بصفة مبدئية، وان كان بدرجات متفاوتة حيث، أضحت مناطق مثل بازينة وسجنان وغزالة سوقا لمثل هذه الجرائم وعدم الإبلاغ وحماية المبلغ هما الحلقة المفقودة، التي تعيق التصدي للظاهرة المشار اليها رغم تقدم وتنوع الجانب الجزائي للتصدي لها على غرار قانون الاتجار بالأشخاص و العنف ضد المرأة ومجلة حماية الطفل . كما أن ضعف التحسيس والوعي بخطورة الصمت، إزاء هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الطفولة وضعف التنسيق بين المتدخلين في الموضوع كل ضاعف من الاشكاليات المطروحة. . ومن جانبها اعتبرت رئيسة مصلحة المرأة بالمندوبية الجهوية سكينة حمدي أن هناك ثلاثة جوانب أساسية. وهي التحسيسي والردعي والمؤسساتي، للتصدي لعمل القاصرات في المنازل، مؤكدة انه لا توجد دراسات وابحاث معمقة ومتواصلة حول هذه الظاهرة. وتابعت محدثتنا ان الاولوية هي مقاومة الانقطاع المدرسي وتفعيل التمكين الاقتصادي و ايضا الاجتماعي للمرأة لمواجهة هذه الظاهرة، مقترحة بعث لجنة في الموضوع المشار اليه. أرقام ودلالات بين 5 و28 بالمائة نسبة العائلات المنتفعة بالتغطية الاجتماعية في بنزرت اكثر من 100 دينار ما يتقاضاه السمسار عن كل معينة بين 200 و300 دينار هو الدخل الشهري للمعينة المنزلية