من شريك لنداء تونس إلى عدو لها حاليا، ومن حليف سابق مع المرزوقي وبن جعفر الى حليف حالي ل»تحيا تونس»... لا مشكلة للنهضة، فالجميع يطلبُ ودّها برغم ما يجري من تصريحات معارضة أو حتى معادية لها. تونس الشروق: فخيارها الاستراتيجي المتواصل يقوم على التوافق مع أي طرف حتى عدوها اللدود لكي تديم بقاءها في الحكم مهما كان الثمن فما السر في هذا؟. النهضة هي الشريك الحالي لحركة «تحيا تونس» في حكومة الشاهد وقد تتوافق معها بعد الانتخابات القادمة إذا لم تغب المفاجآت وحصلتا معا على أغلبية المقاعد في البرلمان. من المفترض أن يكون الطرفان خصمين أقرب إلى العدوين بالنظر إلى تضاربهما من حيث التوجهات والأهداف والمرجعيات والأرضية الفكرية... ولكن غرابة في توافقهما فمن توافق سابقا مع حزب نداء تونس يهون عليه التوافق مع «تحيا تونس». السر في هذا أنّ النهضة حركة متأقلمة لا تسجن نفسها في الأيديولوجيا الجامدة بل تبحث عن مصلحتها فلا تجد حرجا في التوافق مع أي طرف حتى إن كان عدوا. لها لهذا لا نستغرب أن تتوافق يوما مع عدوها اللدود حاليا الجبهة الشعبية متى اختارت الجبهة مراجعة مبادئها واستراتيجيتها. ولكن لماذا تبحث النهضة عن التحالف مع كل من يقبل بها؟. في ظل شريكها تخوض النهضة منذ سنوات حربين متوازيتين: أن تحافظ على بقائها وأن تظل في السلطة: أما حرب البقاء الوجودية فمردّها ما أصاب حلفاءها خاصة منهم في مصر وقطر، وعليها أن تقبل بكل التنازلات الممكنة وأن تخوض كل المناورات وأن تعتمد كل التكتيكات حتى لا يصيبها ما أصاب نظام مرسي. وأما حرب البقاء في السلطة فتهدف إلى إقناع العالم وخاصة خصومها بأنها خلقت لتحكم بالوسائل الديمقراطية، وأنها لا تديم بقاءها إلا بفضل شعبيتها، وأنها تغيرت فتتونست في مرحلة أولى وتمدنت في مرحلة ثانية وتشاركت مع الأطراف المدنية التي يؤيدها الخصوم. المشكلة الكبيرة التي تعيها الحركة أنها ليست جاهزة حاليا للحكم بمفردها فهي لا تملك الخبرة الكافية ولا البرنامج المتكامل القابل للتنفيذ والأهم أنها لا تستفيد من الظهور في الواجهة حتى لا تكون الأضواء مسلطة عليها لهذا تحتاج إلى حزب مدني قوي تتشارك معه وتكون في ظله. شريك ذو قوة محدودة وجدت النهضة في حزب النداء كل المواصفات التي تطلبها للتوافق، لهذا قبلت بشروطه واستفادت خلال ما يقارب الأربعة أعوام من شراكته، ولما يئست من شفائه وعودته إلى قوته فكرت في مستقبلها فدفعت الشاهد عن قصد أو دونه إلى تأسيس حزب جديد يمكنه أن يعوض النداء. قد يرى البعض أن النهضة ساهمت في إضعاف النداء وجاهرت بفرحها في التقدم عليه خلال الانتخابات البلدية الماضية فكيف لها أن تبحث عن حزب قوي من ناحية وأن تعمل على إضعافه من ناحية أخرى؟. ليس هناك تضارب فالحركة تستفيد من الحزب الأقوى وحتى من مجموع الأحزاب الأقوى ولكن من صالحها أيضا أن لا يطوّر شريكها قوته إلى الحد الذي يتخلص فيه من حاجته إليها، كما إن من صالحها أن تكون الأقوى حتى تفرض شروطها في التفاوض حول التوافق أو التحالف أو التشارك. اليوم نفضت النهضة يديها من النداء وأصبح أملها معقودا على «تحيا تونس» وسيكون من الأصلح لها أن تحل هذه الحركة ثانية (بعدها) في الانتخابات التشريعية القادمة حتى يبقى كل طرف منهما في حاجة إلى الآخر. الخطير على النهضة أن تتكبد «تحيا تونس» هزيمة فادحة في الانتخابات القادمة فتفشل في إفادتها أو أن تفوز فوزا ساحقا يغنيها عن التوافق. السبسي يضغط على النهضة؟ على عكس ما يبدو من تصعيد في العلاقة بين نداء تونس والنهضة والتي تعكسها بوجه خاص تصريحات رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، فإنّ الكواليس تذهب الى تأكيد أنّ غاية ذلك الخطاب التصعيدي هي الضغط على حركة النهضة من أجل استعادة التوافق بين الشيخين واعادة العلاقات بين الحزبين كما كانت عليه سابقا ورسم حدود جديدة للتواصل والتنسيق في ما بينهما. يُذكر أنّ الخلاف بين الطرفين اندلع منذ تباين الاّراء حيال بقاء يوسف الشاهد في القصبة أو رحيله. ...والمرزوقي على الخط؟ برغم ما حدث من خلافات سابقة بينه وحركة النهضة وما وجّهه لها من اتهامات في خدمة المنظومة القديمة والابتعاد عن أهداف الثورة، عاد المنصف المرزوقي هذه الأيام إلى مغازلة حركة النهضة طارحا أفقا للتعاون والشراكة المستقبلية تحت يافطة «أكل رأس التمساح معا»، ومعلوم أنّ صعود المرزوقي اللافت في الانتخابات السابقة ومنافسته الشديدة للسبسي كانت بفضل أصوات النهضويين. محاذير جديدة مع الشاهد لم تخف أوساط نهضوية تخوّفها من فشل مسار الشراكة الاستراتيجية مع المشروع الجديد ليوسف الشاهد، وقد أبرزت العديد من الأصوات في فترة سابقة محاذير هذا التمشي مثلما أبرزت ذلك مضامين الرسالة المسربة وتصريحات القيادي السيّد الفرجاني، وعادت المخاوف في هذه الايام بعد سلسلة من تصريحات لقيادات تحيا تونس تُوحي بأنّ الاتفاق مع النهضة هو فقط حول الاستقرار الحكومي، اضافة الى تصريحات اخرى متماهية مع طروحات خصوم النهضة وأساسا حول الجهاز السري وقضية المساواة في الميراث.