«شكري حي» قد تبقى ذكراه حيّة لدى أسرته ومحبيه ومن اقتنعوا بأفكاره ولكنه في النهاية ليس حيا فهناك من قتله رميا بالرصاص وهناك من يتمادى في قتل حلمه، الحزب اليساري الكبير: تونس «الشروق» ستة أعوام مرت على استشهاد الزعيم السياسي اليساري شكري بلعيد دون أن يتم غلق ملف القضية ومعاقبة كل من تورط في الجريمة مباشرة أو دونها. هي حلقات مختلفة الألوان في سلسلة إساءة واحدة كانت حلقتها الأولى رمي الشهيد بالرصاص أمام منزله وعلى مسمع من عائلته، وثانيتها التستر على القتلة والثالثة محاولة طمس معالم الجريمة ورابعها وضع العراقيل أمام كشف الحقيقة وإحلال العدالة وخامسها عدم الوفاء لروح الشهيد… في قضية بلعيد أغلبنا مسيء إليه.. هناك من أساء إليه في حياته وهناك من أساء إليه بقتله وهناك ممن يسيء حتى الآن إلى روحه فلا يمكن أن نفرز في الإساءة عدوه من حبيبه ورفيقه: متاجرة بدم الشهيد في قضية بلعيد هناك أعداء له تقاسموا الأدوار في ما بينهم فمنهم من تآمر ضده ومن من حرض على قتله ومنهم من خطط ومنهم من نفّذ ومنهم من تستر ومنهم من عرقل ومنهم من ميّع ومنهم تواطأ ومنهم من سيّس. هناك في هذه القضية من وعد في حملته الانتخابية بكشف الحقيقة لكنه لم يتذكر وعده إلا عندما تهاوت قوته وأشرف نجمه السياسي على الأفول. هنا نتحدث عن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي الذي تذكر بعد فوات الأوان أن هناك شهيدا وأن هناك ملفا مفتوحا لدى القضاء منذ ستة سنوات وأن هناك أسرة تريد أن ترتاح نفسانيا بمحاكمة كل مورط وأن هناك عدالة إنسانية تفترض أن ينال كل مجرم جزاء إجرامه بعيدا عن التشفي وفي إطار القانون. الباجي يتاجر بالشهيد فقد جعله عنصرا من حملته الانتخابية الماضية ويريد اليوم إعادة المتاجرة تحسبا للانتخابات القادمة لكن حاله ليس أسوأ من حال رفاق شكري: دون اجتهاد تقولون إنهم لم يتخلوا يوما عن قضيته… هذا صحيح فهم لم يستسلموا ولم ينقطعوا عن تجميع الأدلة ولا عن عقد الندوات الصحفية ولا عن تحدي من يتهمونهم بالضلوع في الجريمة ولا عن القيام بوقفة احتجاجية كل أربعاء… العبرة في مثل هذه المسائل ليست في بذل العناية بل في تحقيق النتيجة ونعرف كلنا أن النتيجة لم تظهر ولن تظهر ما دام الرفاق كلهم يتبعون الأسلوب ذاته. المنطق يفرض على المجتهد الحقيقي أن يحقق هدفه مهما كانت العراقيل والوسائل المتبعة وقد كان بإمكان الرفاق أن يغيروا أسلوبهم وسياستهم وأن يفرضوا التحالفات التي تقويهم وتساعدهم على كشف الحقيقة. سمعنا في أكثر من مناسبة عن تدويل القضية فلماذا لم يدوّلوها؟ وإن كان التدويل غير ممكن قانونيا وإجرائيا فلماذا تحدثوا عنه؟. قد نعذر في الرفاق ضعف حيلتهم ولكن أي عذر للتخلي عن حلم الشهيد؟. قاتل الحلم كان لشكري بلعيد مشروع معقول في توحيد اليسار التونسي وقد بدأ الخطوة الأولى بتجميع التيارات القريبة من الوطد وتأسيس «الوطد الموحد» ثم تمثلت الثانية في تأسيس الجبهة الشعبية التي جمعت الوطد الموحد إلى عدد من الأحزاب اليسارية والقومية قبل أن يتوقف حلم بلعيد باستشهاده. الوطد الموحد مازال قائما مثله مثل الجبهة الشعبية لكنهما لم يتطورا شكلا ولا مضمونا ولا حجما ولم يستقطبا أي تيار يساري جديد كما لم يستجيبا لأي محاولة توحيد كتلك التي أعلن عليها الرفيق المقرب من بلعيد عبيد البريكي. هناك مبررات لعدم انجرار الرفاق وراء حلم التوحيد أولها مشكلة الزعامة التي تستهوي كل رفيق وثانيهما مشكلة تمسك كل طرف بخصوصيات حزبه أو تياره وعدم استعداده للتضحية بها حتى يلتقي مع بقية التيارات اليسارية. هي مبررات ولكنها ليست عذرا لأن من ينحاز إلى رفيقه يضحي بكل ما يملك من أجل تحقيقه حلمه وحلم بلعيد في توحيد اليسار أولى حتى من الكشف عن قاتليه. «شكري حي» على كل يسار حقيقي أن يخجل من ترديدها ما لم يساهم في تحقيق حلمه فقاتل الحلم لا يختلف في شيء عن قاتل الروح.