لا شكّ أنّ الاتفاق الأخير بين الحكومة و اتحاد الشغل نزع فتيل التوتر و الاحتقان وساهم في تنفّس الصعداء بالنظر الى تداعيته المالية التي ستساهم بكل تأكيد في تحسن المقدرة الشرائية لقطاعات واسعة من التونسيين و التونسيات لكنّ هذا الاتّفاق سيكون منقوصا اذا لم يطلق قواعد تفاعل واضحة بين مختلف الاطراف الاجتماعية و اذا لم يرس عقدا اجتماعيا تتوفر فيه عوامل الفاعلية و الاستمرار و الاستقرار. ذلك أنّه من الناحية السياسية هناك أزمة ثقة مضاعفة تضرب اليوم مكونات الطبقة السياسية في ما بينها و تضرب ايضا علاقة الطبقة السياسية بأوسع الفئات و القطاعات .زد على ذلك أن الثقة مهزوزة بين حركة النهضة و حركة النداء من جهة و بين "نداء تونس" و محيط رئيس الحكومة من جهة ثانية و بين رئيس الحكومة و رئيس الدولة من جهة أخرى هذا دون أن ننسى توتّر العلاقة بين المعارضة و الائتلاف الحاكم . يضاف الى ذلك ما شاب علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل مع أهمّ الأحزاب السياسية و مع الحكومة من اهتزاز . و هو أمر غير مسبوق في تاريخ تونس الحديثة ألقى بظلال سلبية على مؤسسات الدولة و على ثقة التونسيين في من يحكمهم وفي مستقبلهم . اما التوتر الاجتماعي فملامحه لا تحصى اذ تبقى نسب البطالة مرتفعة و هناك شعور متزايد بالتهميش هذا دون ان ننسى ما تمثله ظاهرة التسرب المدرسي و اتساع دائرة الفقر من مخاطر جسيمة . هذه المظاهر السلبية لا شكّ أنّها تحمل في طياتها بذور تفكك مجتمعي يتعيّن التفطن اليه و العمل على تلافيه قبل أن يتحول الى عامل تهديد جدي للمشروع المجتمعي التونسي و لتجربة الانتقال الديمقراطي التي لم يشتدّ عودها بعد . و لا شك أنه من السذاجة اعتبار الاتفاق الذي تم التوصل اليه هدفا في حد ذاته . و لعلّ هذه الخلفية بالذات هي التي جعلت رئيس الحكومة يوسف الشاهد يصرّ في كلمته التي بثت يوم اول امس على ضرورة الانصراف الى العمل. لكنّ هذه الدعوة و رغم أهميتها ستبقى صرخة في الوادي اذا لم ترتبط بالعمل على الترويج لنموذج مجتمعي يؤمن بالتكاتف والترابط بين كل ابناء الشعب التونسي و يكرّس منوالا جديدا للتنمية يقطع مع كل اشكال استنزاف الجهد و الموارد ويمنح للتجربة التونسية بعدا انسانيا هي في امس الحاجة اليه حتى يكون هناك تجفيف منابع مجتمعي لكل دعوات الارهاب والتطرف . ان الطبقة السياسية بكامل مكوناتها مدعوة أكثر من أي وقت مضى لاظهار قدر أكبر من نكران الذات و الارتفاع الى تحديات المرحلة التي تتجاوز مجرّد الانخراط «الاعمى» في معركة الاستحقاق الانتخابي الذي يتسابق الجميع لخوضه بنفس الرؤية و بنفس الآليات التي خاضوا بها الاستحقاق الانتخابي السابق و التي لم تقد الا الى تعميق الأزمة.