قادت تسوية وضعية هيئة الانتخابات والاتفاق الأخير بين وزارة التربية ونقابة الثانوي الى خفض منسوب التوتر. وانتقلت «الكرة» الى «ملعب» الأحزاب لبيان استعداداتها لهذا الموعد الحاسم. تونس الشروق: بالعودة خمسة أشهر الى الوراء كانت الاستحقاقات الوطنية في تونس مهددة بدرجة عالية من المخاطر. وكانت لتلك المخاوف والمحاذير مرتكزات موضوعية. أولها تعمق أزمة الهيئة المشرفة لوجيستيا على الانتخابات. وثانيها عدم الاستقرار الحكومي وتواتر الحديث بشأن إمكانية تفعيل الفصل ال99 من الدستور. وثالثها الخشية من «شتاء ساخن» ينذر بتفاقم التوترات الاجتماعية في كل القطاعات تقريبا ومن شأنه فتح الطريق أمام وقوع البلاد في حالة «الخطر الداهم». تثبيت موعد الانتخابات كل هذه المخاوف انقشعت بشكل تدريجي في الفترة الأخيرة وزالت معها العوامل الخارجية التي من شأنها أن تدفع الى تعطيل الانتقال الديمقراطي وتأجيل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية. حيث منح التحوير الحكومي المصادق عليه يوم 12 نوفمبر الماضي الحد المطلوب من الاستقرار الحكومي. وقضى التوافق داخل قبة البرلمان في 30 جانفي المنقضي بتسوية وضعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فيما مكن الاتفاق الحاصل حول مفاوضات الوظيفة العمومية وقطاع التعليم الثانوي من إنهاء الأزمة بين الحكومة والاتحاد وخفض منسوب التوتر الاجتماعي. هذه التطورات الإيجابية ساعدت على تنقية أجواء الاستعدادات لإجراء الاستحقاقات الانتخابية في موعدها. حيث رجح مصدر من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ل»الشروق» إمكانية إصدار مشروع الروزنامة الانتخابية بداية شهر مارس القادم، لافتا النظر الى أن تثبيت موعد الانتخابات هو شرط أساسي من شروط قيام الديمقراطية، وعامل مهم في دفع التشكيلات السياسية والمدنية الى حسن الاستعدادات لخوض غمارها. فبعد أن زالت حجج الطامحين الى تأجيل الانتخابات والذين راهنوا على إفشالها، أصبحت مسؤولية إنجاح الانتخابات اليوم موكولة الى الأطراف المتنافسة سواء التشكيلات السياسية أو المدنية. ويبرز هنا السؤال حول مدى استعدادها لذلك ؟ صراع التوازن السياسي انبنت عملية الاستقطاب في الاستحقاقات الانتخابية سنة 2014 على ثنائية الأقطاب بين حركة النهضة وحركة نداء تونس. ومن خلال الاستعدادات الجارية في المشهد السياسي الراهن تتجه النية الى إعادة إنتاج هذا المبدإ ليكون محرك العملية الانتخابية التي سوف تجري أواخر هذه السنة، غير أن فارق السنوات بين الانتخابات السابقة والانتخابات القادمة أحدث جملة من التغييرات في تركيبة القوى المتنافسة. وحسابيا تبدو حركة النهضة -على الرغم من خسارتها عددا مهما من خزانها الانتخابي في الاستحقاقات البلدية الأخيرة- الأكثر تنظيما والأكثر استعدادا للمواعيد الانتخابية القادمة مستفيدة في ذلك من ضعف خصومها وعدم تمكنهم من تقوية بناهم الداخلية والقاعدية خلال كل هذه السنوات. وبدرجة أقل يحافظ ائتلاف الجبهة الشعبية على تماسكه مستفيدا من الرابط الايديولوجي المتين الذي يجمع مكوناتها. ويحجب أحيانا بعض الانقسامات داخلها والتي كان آخرها تحديد الموقف من وجاهة مقترح تكوين حكومة انتخابات . حيث علمت "الشروق" أن بعض مكونات الجبهة الشعبية قد عبرت مؤخرا صلب هياكلها المركزية عن رفض هذا التوجه. ويبقى حسن استعداد الجبهة الشعبية للانتخابات القادمة مشروطا بمستوى العتبة الانتخابية المحدد في نسبة 5 بالمائة والذي من شأنه أن يقلص حظوظ الائتلاف في عدد من الجهات. أما بخصوص ضلع التوازن السياسي الثاني المتمثل في مسمى العائلة الوسطية الديمقراطية فهو في مخاض جار لم تتبلور هيكلته النهائية بعد، وذلك قياسا بالحزب الجديد المنسوب الى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، "تحيا تونس" الذي يأمل في ربح ماتبقى من وقت في سياق إنهاء تحضيراته الهيكلية القاعدية والقيادية ، وكذلك قياسا بالمؤتمر الانتخابي لحزب نداء تونس الذي تواترت أخبار مؤخرا حول إمكانية تأجيله ثانية، وكذلك بقدرة مختلف العائلات الوسطية بما فيها حزب مشروع تونس وباقي الأحزاب المنبثقة عن النداء على لم شملها في اطار جامع. وهذا لم يتحدد بعد. المجتمع المدني على الخط وبين محوري صراع «معركة « التوازن السياسي، يبرز خط ثالث عبّر عن نواياه في دخول غمار الاستحقاقات الانتخابية من بوابة المجتمع المدني و المنظمات الوطنية. وتستفيد هذه الائتلافات من حسن تنظيمها الهيكلي وامتدادها الشعبي لتكون منافسا جديا في الانتخابات القادمة، غير أن العديد من المعيقات على غرار إمكانية خسارتها دورها الاجتماعي وماهية العرض السياسي الذي ستقدمه تجعل من منسوب استعداداتها للانتخابات يصطدم بصعوبات تنظيمية يتطلب تجاوزها نقاشات عديدة ومشاورات متعددة. وفي المحصلة، تبدو كل العوامل الخارجية التي شكلت محاذير جدية ومخاوف من إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها قد زالت. وهذا من شأنه أن يدفع الى بروز ديناميكية سياسية تحرك المشهد السياسي نحو حسن الاستعداد للانتخابات القادمة والتي سوف تكون مفصلية في سياق الانتقال الديمقراطي في تونس. أستاذ القانون الدستوري والمحلل السياسي جوهر بن مبارك: ..مسؤولية القوى السياسية المخاوف من تعطيل العملية الانتخابية التي رافقت نهاية العام المنقضي تجاوزناها اليوم. ولكن خلال تقييم استعدادات القوى السياسية لموعدها نلاحظ دخولا سابقا لأوانه لعدد من المترشحين في حملة مبكرة قوامها المساعي الى التموقع و من شأنها أن تزيد في توتير الأجواء السياسية والتصعيد الذي نحن لسنا في حاجة اليه. هذه الاستعدادات مازالت في نطاق التموقع السياسي والشخصانية والانطباعية. وكل القوى تبحث عن صيغة الدخول في تحالفات وعن الطريقة المثلى لذلك. ولم تدخل للأسف في مرحلة إعداد المضامين الانتخابية وفتح نقاشات تهم سياسات البلاد والتوجهات العامة و الاصلاحات الكبرى. وبالنظر إلى خارطة التوازنات السياسية نلاحظ نقطة ضعف أخرى في المشهد السياسي ترجح امكانية دخول العديد من القوى السياسية (باستثناء البعض) الانتخابات بهياكل غير منظمة أو بتنظيم وقتي سيكشف عيوبه خلال الانتخابات. الخبير في الحوكمة المحلية محمد الضيفي ..الظروف توفرت رغم بعض المعيقات بعد استكمال تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتحسن المناخ الاجتماعي وتوافق أغلب الكتل البرلمانية على صيغة التعديل النهائي للقانون الانتخابي يمكن القول بأن الظروف أصبحت مهيأة بنحو أفضل لإجراء الاستحقاقات الانتخابية في موعدها وأن المخاوف التي برزت في الفترة الأخيرة هي اليوم وراءنا. وبعد تلاشي الأسباب الخارجية التي يمكن لها أن تعطل إجراء الاستحقاقات الانتخابية أصبحت المسؤولية موكولة اليوم إلى المترشحين قصد الاستعداد الجيد لموعدها . ورغم ذلك تبقى هنالك جملة من المعوقات السياسية التي يتطلب البت فيها لمزيد تنقية الأجواء السياسية .