تعددت القنوات التلفزية في تونس وتنوعت مشاربها ومحتوياتها وتحوّل جزء من هذه القنوات الخاصة الى ما يشبه الملاهي الليلية أصبح فيها النكرات و»الحمقى» صناع راي لا يتورعون عن الادلاء بآرائهم في شتى المجالات اما القنوات العمومية فيغلب عليها الانفلات. تونس(الشروق): ينتقد العديد من المتابعين للقنوات التونسية الخاصة الابتذال والميوعة التي تقدّمها عديد البرامج التي تتنافس في تقديم نكرات على انهم «كرونيكورات» تؤثث بهم الحصص لخلق «البوز» دون تقديم محتوى ترفيهي او تثقيفي او توعوي برامج بلا رسالة إعلامية هدفها اللهث وراء الاثارة سواء عبر تصريحات شعبوية او عبر اشخاص مثيرين للجدل وافتعال خلافات او عبر الملابس الشفافة واللوك الغريب للضيوف كل شيء صالح لهذه المهمة حتى نشر الحياة الخاصة للعموم او استدراج تعاطف الجمهور عبر الدموع والتظاهر بالتأثر في بعض المواقف... «إيحاءات جنسية ومخدرات» والاكيد ان هذه البرامج بلغت هذا المستوى المتدني من الاسفاف وتنافست فيما بينها في الانحطاط لاعتبار مهم هو عدم اهتمامها بالرسالة المنوطة بعاتقها وعدم فهمها لخطورة ما يتم بثه على المجتمع بمختلف اطيافه خاصة بالنسبة للشباب والمراهقين كما ان المسالة ليست لها علاقة بالإمكانيات المادية إنما هو الإصرار على البذاءة وفقر الأفكار والتصوّرات وغياب الإبداع. وتتعرض هذه البرامج من حين لآخر الى انتقادات واسعة من جمهور المشاهدين اخرها الدعوة التي تم اطلاقها في مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير» وذلك للاحتجاج على استضافة وسائل الإعلام لشخصيات يرون أنها «لا تقدم أية إضافة» وقد حظيت الحملة باهتمام واسع من تونسيين على شبكات التواصل الاجتماعي واعتبرها البعض خطوة للحد مما اعتبروه تدني مستوى المشهد السمعي والبصري. ومن بين الشخصيات التي احتج المشاركون في هذه الحملة على تقديمها للجمهور بعض النكرات في مجال الغناء والتمثيل ممن يقدمون اعمالا رديئة ومبتذلة مثل اغنية «انا ولد عواطف « التي اثارت الجدل. برامج الفضائح ويرى العديد من المتابعين للمشهد السمعي البصري ان سعي بعض وسائل الإعلام المرئية الخاصة إلى استضافة أي شخص يمكنه خلق «البوز» لرفع نسب المشاهدة جعل منها مصدر انتقاد واسع كما ان بعض الفقرات الكوميدية تتمادى في الخوض في مسائل حميمية وايحاءات جنسية وحديث عن استهلاك المخدرات بشكل يمهد لجعل الامر مسالة عادية بالإضافة الى برامج الفضائح والخوض في اسرار الناس وخصوصياتهم وهو ما يجعل عديد الاسر تتحرج من متابعتها ولعل ابرز الانتقادات طالت اختيار «الكرونيكورات» بطريقة غير مفهومة لا تقوم على مدى ثقافتهم بل على مدى وقاحتهم وقدرتهم على لفت الانتباه من ذلك اختيار «مزاودي قديم» او شخصية نكرة لا شيء يميزها سوى انها «فياسة» او انها قادرة على التبجح بثرائها ولباسها اللافت وهو ما جعل معز بن غربية يعلق «فتيات الليل تحولن لكرونيكورات ومقدمي برامج زبالة في الإعلام التونسي» وكتب بن غربية على صفحته في الفايس بوك «جعلوا من الحمقى نجوما ومن فتيات الليل كرونيكورات ومن مقدمي برامج الزبالة مشاهير وصدعوا رؤوسنا بنسب المشاهدة واسمعونا كل أنواع الغشة والإيحاءات الجنسية وادخلوا الي بيوتنا سقط المتاع ونجوم الكباريات والصعاليك ومستهلكي المخدرات على أساس أن المشاهد التونسي لا تستهويه سوى هذه النوعية من البرامج التافهة واعتبر ان المشاهد التونسي يحتاج الى برامج جدية على غرار الحقائق الأربع الذي تمكن من كشف عديد المظاهر في المجتمع لعل اخرها قضية مدرسة الرقاب. صحيح ان وسط هذه الرداءة هناك برامج مضيئة ومحاولات اصلاح لكن الغالب على المشهد هو هذه البرامج التي تستهوي فئة لا بأس بها من المشاهدين البسطاء الذين يبحثون عن برامج الفضائح و»البوز». انفلات ومن الجانب الاخر فان محاولات هروب جمهور المشاهدين الى القنوات التلفزية العمومية التي تموّل في جزء منها من المجموعة الوطنية لا يخلو بدوره من النقائص فهي حسب عديد الملاحظين اقرب الى «التكية» بلا تجديد وأجور بلا مقابل وفي أحيان كثيرة فإنها لا تعكس انتظارات المتلقي وهناك حديث عن «جيش» من العاملين في هذه المؤسسات دون مردود يذكر او على الأقل يترجم فعلا عدد العاملين بها ما عدا بعض الاستثناءات. ولعل خطاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تم بثه مؤخرا اكبر دليل على حالة الانفلات والفوضى التي تعيشها المؤسسة العمومية وهو ما اثار جدلاً واسعا وذلك بسبب تأخير بث الخطاب لنحو ساعتين ليتم إدراجه لاحقاً ضمن برنامج «رياضي» وقد بررت القناة هذا التأخير ب«وجود خلل فني» في حين اعتبر بعض السياسيين انه تأخير مقصود لرفع نسب مشاهدة الخطاب وفي كل الحالات فان ما حدث يعكس حالة من التسيب وغياب الانضباط يقر بها عديد المتعاملين مع هذه القناة وحتى المشاهدين وفي كثير من الأحيان وجهوا لوما لاذعا لقنواتنا العمومية بسبب تمريرها لبرامج عادية او غناء في الوقت الذي تعاني فيه احدى مدن البلاد من ظرف طارئ على غرار ضربة إرهابية او فيضانات. ورغم ان اهم مكسب ا للثورة هو حرية التعبير الا ان الاجتهاد من أجل تطوير المضامين الصحفية وتحسين جودتها مازال قاصرا عن الوصول الى المطلوب وهو ما دفع بفئة واسعة من التونسيين الى هجر القنوات المحلية في اتجاه الاعلام الأجنبي الذي يطرح ملفات وقضايا أكثر عمقا وجدية او انه يطرح برامج فعلا ترفيهية على غرار عديد البرامج التي عرفت متابعة واسعة ومنهم من هجر التلفاز أصلا. النوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري .. برامج الفضائح موجودة أيضا في اعرق الديمقراطيات تتابع الهايكا منذ احداثها في 2013 الاعلام السمعي والبصري ونلاحظ ان الاعلام قبل الثورة كان ممنهجا ومسيّرا واليوم فان القنوات التلفزية المحلية بصدد تعلم الاعلام الحر. واعتقد ان الاعلام التونسي يتضمن العديد من الإيجابيات رغم وجود السلبيات. ونحاول في الهايكا مرافقة الإذاعات والتلفزات ونلاحظ ان هناك تحسّنا ملموسا وفي خصوص برامج الفضائح فهي موجودة في أعرق الديمقراطيات وليست حكرا على قنواتنا. والمطلوب القليل من الصبر على اعلامنا العمومي والخاص حتى يتدرب على الحرية ويسترجع ثقة المواطن والاعلام حسب اعتقادي مؤهل لرفع هذا التحدي كما انه قادر على الاجتهاد واللحاق بركب بقية الدول المتقدمة وعموما مازالت التحديات كبيرة لبلوغ المطلوب. صلاح الدين الدريدي أستاذ الإعلام والاتصال ل «الشروق» ... بعد الحرية أصبحنا في حاجة الى الحرفية لا يمكن أن نتحدث عن صناعة تلفزية تونسية ترتقي الى مستوى انتظارات الجمهور التونسي بمختلف طبقاته فالموجود في تلفزاتنا لا يعدو ان يكون بعض البلاتوهات والبرامج الترفيهية ويغيب العديد من هذه البلاتوهات في اواخر الأسبوع وشهر رمضان والأعياد وأشهر العطلة الصيفية وباقي البرامج يمكن تلخيصه عموما في «اعادات» و «تجمير» للبرامج « البايتة» هكذا هو المشهد التلفزي بعد الثورة رغم توفر مناخ للحريات وبعد اصلاح الاعلام وبعث «الهايكا» وبعد برامج التدريب بالمليارات وبعد تكاثر الخبراء وكل من يدعي في الصحافة والاعلام معرفة. هذا المشهد التلفزي البائس تزيده بؤسا وقتامة القناة الوطنية بنسختيها التي تقيم الدليل على العجز والشلل التام الذي اصاب مسالك الانتاج التلفزي العمومي وآلياته بلاتوهات الكلام في السياسة بدون معرفة بالسياسة وبفنون الاعلام السياسي وقد أصبحت مصدر ازعاج وتنفير للباحثين عن فهم الشأن العام وقد يفسر عزوف الكثير عن متابعة هذه السهرات الثقيلة التي تعكس ضحالة الفاعلين في المشهد السياسي و الإعلامي. ولسائل أن يسأل اليوم بعد 8 سنوات من الضياع التلفزيوني من يقود السفينة ومن يقود اصلاح الاعلام المتلفز؟ هل تقودها النقابة العامة ام الهايكا بأعضائها الذين لا علاقة لهم بالتلفزيون وماذا يشمل الهايكا بالتعديل؟ هل يقتصر التعديل على المراقبة والزجر بالقانون أم يتعداه الى ضرورة طرح المسألة الاعلامية عامة والتلفزيونية خاصة والشروع في تنفيذ الحلول العاجلة والآجلة ؟ ثم من يضع هذه الحلول ؟ لقد جربنا التصورات المسقطة التي أتت بها المنظمات الدولية غير الحكومية التي تمسك بآليات الاصلاح الاعلامي تصورا وتنفيذا وتمويلا وظهر بالكاشف أنها لا تتطابق مع متطلبات المشهد الاعلامي محليا ووطنيا . كما جربنا ذلك مع BBC ACTION بالنسبة الى التلفزيون وجربنا مع HIRONDELLE بالنسبة الى الاذاعات العمومية وجربنا مع ARTICLE 19مادة 19 بالنسبة الى المكتوب في القطاع الخاص ثم حشدنا كل هذه التدخلات وادرجناها في أجندة البرنامج الاوروبي لدعم الاعلام التونسي الا أن الامور ظلت على حالها وبقينا نتبع سياسة النعامة ونلهي أنفسنا بمكسب الحرية الإعلامية ولم ننتبه الى أن الحرية الاعلامية أصبحت تحتاج اكثر من أي وقت مضى الى الحرفية فبعد الحرية يجب ان يكون الاعلام صنعة وصناعة. من جهة أخرى أتساءل هل بإمكان الهايكا بطاقمها المحدود جدا الاشراف على اعادة هيكلة التلفزات العمومية من مختلف زواياها أي المهنية والتنظيمية والمالية والتكنولوجية والاشهارية والتسويقية ذلك انه في البلدان الديمقراطية فان هذه الامور توكل الى هيئات تسييرية مختصة يسميها البعض وزارة الاتصال مثلما هو الشأن في فرنسا والبعض الاخر يدمجها ضمن اختصاصات أخرى درءا للشبهات حول تدخل الحكومات في الشأن الاعلامي مثلما هو الشأن بالنسبة الى بريطانيا وألمانيا و البلدان الإسكندنافية وأمريكا...