منطقة سيدي عبد الحميد بسوسة هي واحدة من أكبر المناطق الصناعية في الجمهورية التونسية تضم 79 مؤسسة صناعية و تشغل قرابة 10 آلاف عامل إلى جانب موقعها البحري والتاريخي «الشروق» مكتب الساحل: وتنقسم منطقة سيدي عبد الحميد إلى أربع عمادات وهي سيدي عبد الحميد، الطيب المهيري، قصيبة الشط وابن خلدون، وتضم أحياء امتدت وتكاثف عدد سكانها ليصل إلى قرابة 70 ألف ساكن وينحدر الكثير منهم من عدة ولايات تونسية. تقع هذه المنطقة في سوسةالجنوبية وتبعد عن وسط مدينة سوسة خمسة كيلومترات تقريبا، سميت ب «سيدي عبد الحميد» نسبة للولي الصالح عبد الحميد الصائغ أحد أكبر فقهاء إفريقية والمغرب الإسلامي. ورغم ما تتميز منطقة «سيدي عبد الحميد» من خصائص فإن كل أحيائها مهمشة فعند زيارتها تخال نفسك في إحدى الولايات الداخلية رغم قربها من وسط مدينة سوسة وصبغتها الساحلية والاقتصادية والتاريخية. معاناة وتهميش التقت «الشروق» ببعض مواطني هذه الأحياء الذين أجمعوا على معاناتهم واحتياجهم لأبسط المرافق اذ قال مصطفى الهاني إنّ «حي قايد السواسي من أكثر الأحياء المهمشة في سوسة قبل الثورة وبعدها، لم نر من المجالس البلدية السابقة أو الحالية غير التسويف، أبسط الأشياء أنهم بدؤوا في تعبيد الطريق وبعد ذلك توقفت الأشغال لأنهم نسوا تهيئة قنوات تصريف المياه فهل يعقل أن تنطلق الأشغال دون دراسة؟ فسبعة أشهر مرت والطريق محفرة إلى جانب وضعية التلوث التي يعانيها سكان المنطقة بسبب الوادي المهمل وتلوث البحر الذي كان من أنظف وأفضل الشواطئ بسوسة واليوم أصبح الأهالي ممنوعين من السباحة... لم نسمع غير الوعود ولكن التطبيق غائب». وأضاف رمزي النفزاوي «حي قصيبة الشط مهمل يعاني مثل بقية أحياء سيدي عبد الحميد من انعدام مختلف المرافق وكلما توجهنا للمجلس البلدي الجديد إلا ونقابل بالتجاهل، الحي عبارة عن مصب للفضلات، نحن نقطن في منطقة مطلة على البحر وأكثر البحارة في منطقتنا ولكن نشاطهم يكاد يكون منعدما بسبب التلوث الذي سببه الوادي، نحن متضررون من مختلف الجوانب». وقالت سامية العياري «لا بد من جهر تام لواد الحلوف من تقاطع السكة الحديدية فهو سبب معاناتنا خاصة في الصيف كل نوافذنا تغلق بسبب الروائح الكريهة، ونحن على عكس بقية المناطق المتمتعة ببحرها وشاطئها فنحن لا نتمتع بذلك بسبب حالة التلوث التي سببت الأمراض للعديد من المتساكنين... تصور مياه الصرف الصحي تصب في الوادي». وأضافت سامية «نطالب بجلسة مع البلدية ومع مسؤولين من ديوان التطهير ليصارحونا بما يحدث بالضبط ونتفق على حل جذري، فقبل التفكير في المناطق الخضراء يجب القضاء على التلوث والأوساخ وهذا الأهم بالنسبة لنا للأسف هذه أولوياتنا رغم حاجتنا لعدة مرافق أخرى، فما يفكرون فيه من ملاعب وفضاءات ترفيه للأطفال يعتبر ضحكا على الذقون أمام استمرار المشاكل الحقيقية التي يعيشها الحي ككل، فصحة أطفالنا قبل ترفيههم». مشاكل بالجملة ولا حياة لمن تنادي! وعلّقت السيدة فتحية بن ابراهيم متقاعدة ومستشارة تمثل المواطنين بالخارج قائلة « أقطن في سيدي عبد الحميد منذ سنة 1990 ومنذ تلك السنة الطرقات غير معبدة وتشكو نقصا في الإنارة وكثرة الحشرات، وعند نزول الأمطار نصبح نسبح في مياه الصرف الصحي كل القنوات تفيض، وما يؤسف نحن نسدد كل معاليم البلدية ولكن لا نجد خدمات مقابل ذلك». وأضافت «منذ أشهر عديدة ونحن نتردد على مسؤولي ديوان التطهير ولكن لا حياة لمن تنادي، فأحيانا الفضلات تبقى ليومين وأكثر إلى جانب الحشرات، وصلنا إلى وضعية عجز لا ندري ماذا نفعل... اتصلنا بكل المسؤولين الجهويين ولكن لا نجد أي أذن سامعة، طلبنا على الأقل إنارة فهناك العديد من المنحرفين ونخاف على أطفالنا وأبنائنا فنلتجئ للخروج ونعترضهم حتى يعودوا سالمين إلى المنزل... عيينا عيينا عيينا». وقال إبراهيم قرشا «سأتحدث عن شاطئ سيدي عبد الحميد، أصبحت منازلنا مهددة بسبب التقدم الحاصل لمياه البحر من سنة إلى أخرى، إلى جانب تلوث المياه بسبب مياه قنوات الصرف الصحي التي تصب فيه إضافة إلى توسع التلوث أمام منازلنا مما سبب تكاثر الأفاعي والعقارب، دون الحديث عن كثرة المنحرفين الذين يتجمعون في هذا الشاطئ بمختلف أنواعهم ويمارسون مختلف أنواع الانحراف والفساد وأصبحنا بدورنا مهددين بحكم أن منازلنا قريبة من الشاطئ، فالأخطار تحاصرنا من كل جهة». وأضاف «حالات كارثية لا أحد يهتم بنا لا من السلطة المحلية ولا من الأمن فلا نجد شرطة تحمينا، نعيش حالة من الفوضى والانفلات وكأننا لا نسكن في مدينة سوسة بل هناك معتمديات داخل ولاية سوسة أفضل بكثير من معتمدية سيدي عبد الحميد فمن فترة الثمانينات لم نسمع سوى الوعود الزائفة والاستبلاهات المتكررة». وقال محمد الشتيوي ما «تم رصده لمنطقتنا من أموال ذر الرماد على العيون، فلنا منازل في سيدي عبد الحميد تفوق قيمتها المليار وهي مهددة، العديد باعوا منازلهم وآخرون يفكرون في ذلك، فشبابنا يعيش فراغا في ظل عدم وجود مراكز ثقافية أو شبابية، فحتى المدارس الابتدائية في حاجة إلى صيانة مستعجلة، فيوجد بنوك ومصانع ولكن المرافق الحقيقية التي يحتاجها المواطن مفقودة مثل الأمن وغيرها». الأطفال ينشدون مستقبلا أفضل نسبة كبيرة من الأطفال يعيشون في معتمدية «سيدي عبد الحميد» توجهت إليهم «الشروق» فلم تكن إجاباتهم أكثر تفاؤلا من الكبار حيث أجمعوا على رداءة الخدمات وانعدام المرافق، وقال الطفل محمد عزيز النايلي «نحن نقطن في حي «ونيس» في حاجة إلى تعبيد الطريق حيث أجد صعوبة في التنقل من منزلنا إلى المدرسة الإعدادية خاصة عند نزول المطر تتعطل الدروس، إلي جانب حالة القلق التي تساورني فلاوجود لفضاءات ترفيه أو تثقيف في منطقتنا نقضي أوقاتنا في محل خاص للأنترنات بمقابل مالي ليس كل الأطفال قادرين على توفيره ولاوجود حتى لمساحة صغيرة لملعب نمارس فيه كرة القدم «. وأضاف الطفل حمادي الراقوبي قائلا «أتمنى أن أرى طريقا معبدا يسهل المرور منه دون أن تغمره المياه فنلتجئ إلى خلع أحذيتنا للذهاب إلى المدرسة كما نرجو تهيئة مناطق خضراء وملعب لممارسة كرة قدم «. وقالت أحلام زروقي تلميذة بالسادسة ابتدائي «أطلب من السلط إنشاء ناد ترفيهي للأطفال وإيجاد حل لمياه الأمطار فكلما نزل المطر بغزارة تغمر المياه منازلنا». وطلب الطفل محمد أمين سراي من السلط الإنارة قائلا «عندما نخرج من المدرسة ليلا بعد الدروس الخصوصية أجد صحبة زملائي ظلمة على كامل الطريق، وعندما نتنقل لأقرب دار شباب منا يطردنا الحارس، وفي حي الواد المواطنون يجدون صعوبة في التنقل بسبب فيضان الواد والأوحال» وأكّد الطفلان أحمد الجندوبي وقصي هاني ما قاله زملاؤهما. مقام الولي الصالح في حالة يرثى لها سميت هذه المنطقة «سيدي عبد الحميد» نسبة للولي الصالح من أصل قيرواني أبي محمد عبد الحميد بن محمد القروي عرف باسم الصائغ لاحتراف والده مهنة صناعة المصوغ، استقر في سوسة سنة 1081 وتوفي فيها سنة 1093 ودفن قرب قصور الطوب في المكان الذي بنيت فيه الزاوية المنسوبة إليه والواقعة 5 كلم جنوب مدينة سوسة على البحر إلا أن هذه الزاوية تعرف وضعية سيئة نتيجة انعدام الصيانة حسب ما أكدته القائمتان على هذه الزاوية والتي دفن داخلها أيضا جد وزير الثقافة الحالي محمد زين العابدين. والي سوسة عادل الشليوي .. نشجع كل المبادرات التنموية أكّد والي سوسة عادل الشليوي أن العناية مركزة على مختلف الأحياء الشعبية والتي تتشارك تقريبا في نفس المشاكل. وبخصوص مسألة التلوث أوضح قائلا «الأمر متشعب وهناك حلول أولها محطة التطهير الجديدة التي ستحل العديد من المشاكل وستمكن أهالي المنطقة من التمتع بالبحر من جديد، وبالنسبة لمشاكل الانحراف فالجلسات الأمنية متتالية وهناك حرص من مختلف الأطراف على القضاء على الجريمة ومختلف مظاهر الانحراف من خلال دوريات أمنية وعدة تدخلات ونحرص على مزيد من النجاعة». كما أكد الوالي تنفيذ عدة مشاريع بالمنطقة وتشجيع كل المبادرات الفردية التي من شانها أن تساهم في التنمية وتفتح فرص شغل للشباب. مشاهير «سيدي عبد الحميد» وزير الثقافة محمد زين العابدين الموسيقي سفيان لخشين الفنانان منذر بن عمار ورمزي عبد الوهاب اللاعبون القدامى للنجم الساحلي أيمن عبد النور، خالد بن ساسي، معز بن ساسي، فتحي الدويري، لسعد عياد، كمال القابسي... الحكم الدولي السابق مكرم اللقام رئيس الدائرة البلدية بسيدي عبد الحميد .. صلاحياتنا محدودة قال رئيس الدائرة البلدية سيدي عبد الحميد صابر دريرة إن مشكل منطقة «سيدي عبد الحميد» أنها تقع بين «واد مليان» وواد «الحلوف» وأن مشكل التلوث مرتبط بالإدارة المركزية لديوان التطهير مضيفا «حاولنا من طرفنا كبلدية عقد جلسة مع المدير الجهوي للديوان الوطني للتطهير بسوسة وأكّد لنا أنه لا يملك حلولا عاجلة وأن المشروع سيقع بسطه على الإدارة العامة وانطلقنا في الحلول العاجلة التي شملت التنظيف الدوري للبالوعات». وأضاف أنه «في إطار شراكة مع بلدية «برونشفايك» الألمانية ستكون هناك دراسة فنية لهذا المشكل سيقترحها علينا الألمان، وبخصوص تلوث الوادي فالمواطن مساهم في ذلك بتركيز ما يسمى «الزريبة» في عدة أماكن حول الواد ويقوم بتربية الحيوانات هناك وإلقاء الفضلات في الوادي ونحن بصدد إصدار 19 قرار إزالة هذه «الزرائب» والسعي لتنظيف الوادي، أما عن تلوث البحر فهذا يرجع لانسداد قنوات الصرف الصحي خاصة عند الأمطار وانسدادات البالوعات مما يجعل المياه تتجه نحو البحر وعلى حد علمي هناك جلسات في هذا الموضوع وتباحث حول إيجاد الحلول الممكنة وقد يرجع البحر إلى وضعيته النظيفة بعد سنة أو سنتين». وحول مظاهر الانحراف التي تكاثرت بالمنطقة وأصبحت تهدد المواطن قال دريرة «قمت بزيارة إلى مختلف هذه الأماكن وخاصة تحت القنطرة صحبة رئيس دائرة الغابات بعد أن تبين لنا أن العديد من المنحرفين يتسترون وراء نباتات الخروع والنخيل بحكم أن الأمن يشتكي من تخفيهم هناك وتعهدت إدارة الغابات بقطع النباتات التي تحجب الرؤية وتعهدنا كبلدية بإزالتها وتنظيف المكان منها، أما يقع من عمليات في أماكن أخرى فهذا من مشمولات الأمن».