(متفقد مركزي بإدارة الملكية العقارية) إن المُتابع لمشروع قانون "المساواة في الإرث" الذي أحيل مؤخرا على مجلس نوّاب الشّعب لا يُمكن إلاّ أن يستغرب من ضُعف هذا المشروع وهناته الكثيرة، فتتسارع الأسئلة في ذهنه: هل أن اللّجنة التي صاغته على دِراية بمادّة المواريث الدقيقة أم هي لجنة حُقوقيّة فقط؟ وهل استشارت بشأنه أهل الاختصاص أم لا؟ وهل أخذت الوقت الكافي لصياغته أم تسرّعت فيه؟ وكل هذه التساؤلات تُطرح بسبب النقائص العديدة والثغرات الكثيرة التي تضمّنها مشروع هذا القانون والتي سنتطرق إلى أهمّها في هذا المقال، وذلك من ناحية قانونية بحتة بعيدا عن الجدل الفكري والإيديولوجي الذي احتدم بين مُعارضيه ومُؤيّديه. يتضمّن هذا المشروع إضافة الفصول من 146 مكرّر إلى 146 سابعا إلى مجلة الأحوال الشخصية، وينص مقترح الفصل 146 مكرّر على أن: "البنت انفردت أو تعدّدت ترث جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وُجودهم. ولا يرث معها الأب أو الجدّ إلا السّدس دون أن ينتظر شيئا آخر. ولا يرث معها الإخوة والأخوات مهما كانوا ولا الأعمام مهما كانوا ولا صندوق الدولة". إن المتأمّل في صيغة هذا الفصل يُلاحظ أنه ليس فيه أيّة إضافة لحقوق البنت الحاليّة في الإرث سوى ما ورد بالفقرة الثانية منه في خُصوص حَجْبِهَا للأب أو الجدّ حَجْبَ نُقْصان من السُدس مع انتظار الباقي بالتعصيب إذا كان هناك باقٍ، إلى السُدس فقط. أما الفقرتان الأولى والثالثة من هذا الفصل فهُما مَشمولتان بأحكام الردّ الواردة بالفصل 143 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية، فالبنت سواء انفردت أو تعددت يُمكنها أن ترث كامل التركة بالفرض والردّ معًا، كما أنها تَحْجِب بقانون الردّ الخاصّ جميع الإخوة والأخوات والأعمام وبنوهم وصندوق الدّولة. وبالتالي، فالفقرتان الأولى والثالثة من هذا الفصل هُما من باب التّزيد الخالي من الفائدة القانونية والمنطقية، والأَوْلَى حذفهما لأن حُكمهما مشمول بقانون الردّ. من ناحية أخرى، فإن استعمال عبارة "البنت" بالفقرة الأولى يُثير إشكالا جدّيا: فمثلا لو توفي الشّخص عن بنت ابن وأب فقط، فهل أن الأب هنا يرث معها السدس فقط دون أن ينتظر شيئا آخر؟ إن الصياغة المقترحة للفصل غير دقيقة، لذا من الأفضل استعمال عبارة "الفرع الوارث المؤنث" بدلا عنها حتى تشمل البنت أو بنت الابن وإن نزلت. إضافة إلى ذلك فإنّ الفقرة الأولى للفصل 146 مكرر تُؤدي في عديد الحالات إلى إنْقاص نصيب البنات والحطّ منه بقدر كبير مُقارنة بالأحكام الحاليّة للإرث، ونضرب لذلك مثالا: فمن توفي عن زوجة وأب وأمّ وبنتين، وخلّف تركة قيمتها 216 ألف دينار، فإنه بتطبيق قواعد الإرث الحاليّة يكون للزوجة الثُمن أي 03 أسهم، وللأب السُدس أي 04 أسهم، وللأمّ السُدس أيضا 04 أسهم، وللبنتين الثُلثان أي 16 سهما معًا، وأصل الفريضة من 24 سهما وتَعُولُ إلى 27 سهما لِتَزَاحُم الفُروض فيها. وبتطبيق هذه الفريضة على التركة تأخذ الزوجة 24 ألف دينار، ويأخذ كل واحد من الأبّ والأمّ 32 ألف دينار بمفرده، وتأخذ كل بنت بمفردها 64 ألف دينار. في حين لو تمّ حلّ نفس هذا المثال حسب مشروع قانون "المساواة في الإرث"، فإن للزّوجة الرُبع عملا بالفصل 146 سادسا من نفس المشروع، وللأب السدس وللأمّ السدس، وللبنتين باقي التّركة بالتساوي، فيكون للزوجة 54 ألف دينار، ولكل واحد من الأب والأمّ 36 ألف دينار بمفرده، ولكل بنت بمفردها 45 ألف دينار. وهكذا نلاحظ أن النقص الذي لَحِق مناب كل بنت يُعادل 19 ألف دينار، وهو فارق كبير. أما بالنسبة للفصل 146 رابعا، فإنه يُورّث جميع الأحفاد مهما كانت طبقتهم ويُعطيهم مناب والدهم أو والدتهم كما لو كان حيّا في تاريخ وفاة الجدّ أو الجدّة، وذلك بالتّساوي بين ذُكورهم وإناثهم. وما يُعاب على صياغة هذا الفصل هو أنه أوّلاً يُورّث الأحفاد للبنت رغم أنهم غير موجودين أصْلاً ضمن قائمة الورثة الحصرية الواردة بالفصل 90 من مجلة الأحوال الشخصية، وهو ما يجعله مُسقطا في حُكمه وغير مُنسجم مع الأحكام العامة للإرث التي تفترض أن يكون الوارث موجودا ضمن قائمة الورثة التي ضبطها القانون؛ وثانيا أنه يتحدّث عن توريث الأحفاد بقطع النظر عن الحَجْبِ، وهذا لا يستقيم لأنه في علم الميراث لا يرث الشّخص إلاّ إذا لم يكن محجوبا حجب حرمان بغيره من الورثة؛ وثالثا أنه يُورّث الأحفاد مهما كانت طبقتهم ولا يقتصر على أحفاد الطبقة الأولى كما هو الأمر في الوصية الواجبة، وهذا أمر مُبالغ فيه لأنه عادة ما نجد أن أحفاد الطبقة الأولى هم الأكثر قُربًا إلى أجدادهم، كما أنه واقعيا من النّادر أن نجد الطبقات الأسفل من الأحفاد وقت وفاة الجدّ أو الجدّة. ولكل هذه الاعتبارات يكون من الأجدر إعادة صياغة هذا الفصل فقط بالتنصيص على أنه إذا استحقّ الأحفاد الوصية الواجبة قُسّمت بينهم بالتساوي، وهكذا نعتمد "المساواة" في نطاق نظام الوصيّة الواجبة الحالي وليس في إطار الإرث. أما في خصوص الفصل 146 خامسا فقد نصّ على أن:" الأمّ والأب إذا اجتمعا وانعدم الفرع الوارث يرثان بالتّساوي جميع المال أو ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة عند وجوده أو وجودها". إن المتأمّل في هذا الفصل يُلاحظ قُصورا واضحا في صياغته يتجلى في نقطتين: النقطة الأولى هي عدم التّنصيص على وجود الإخوة من عدمه، الأمر الذي قد يُفْقدُ النصّ كل جدوى وذلك لأنه بِوُجُود اثنين فأكثر من الإخوة، حتى وإن كانوا غير وارثين لِحَجْبِهِمْ بالأب، تَنْتَقِلُ الأمّ من فرض الثلث إلى فرض السُدس عملا بالفقرة الأخيرة من الفصل 127 من مجلة الأحوال الشّخصية. والنقطة الثانية هي عدم انسجام هذا النصّ مع بقية أحكام الإرث المتعلقة بالأمّ، ونبين ذلك من خلال مثال: لنفرض أن شخصا توفي عن أمّ وأب، وليس له فرع وارث ولا إخوة مطلقا، فإذا طبقنا عليه الفصل 146 خامسا، فإن الأمّ والأب يقتسمان التركة لكل واحد منهما النّصف؛ لكن لوغيّرنا الأب في هذا المثال ووضعنا مكانه الجدّ، فإن الأمّ ترث الثلث فقط، ويرث الجدّ الباقي أي ثُلثي التركة، وهذا أمر غريب وغير منطقي عند المقارنة لأنّ الجدّ الأبْعَد درجة وَرث منابا أكثر من مناب الأبّ الأقرب درجة، أما الأمّ فقد اختلف منابها رغم أن قرابتها هي نفسها. وهذا راجع إلى أنّ اللجنة التي أعدّت هذا المشروع ركزت على مسألة "المساواة" فقط وغابت عنها النظرة الشّمولية لأحكام الإرث، أو هي لجنة حُقوقيّة بالأساس وغير مُختصة في قانون المواريث. (يتبع)