وزير الإقتصاد ورئيسة المجمع التونسي لصناعة مكونات الطائرات يتباحثان آفاق القطاع في تونس    تطور بنسبة 17,7 بالمائة في اعتمادات الدفع بميزانية وزارة النقل لسنة 2026    حالة الطقس هذه الليلة    أسعار القهوة تسجّل أكبر انخفاض في الأسواق العالمية..#خبر_عاجل    الرابطة الثانية: تعيينات حكام مباريات الجولة التاسعة ذهابا    إنتقالات: روبرتو مانشيني مدربًا جديدًا للسد القطري    هذا ما جاء في جلسة بين الترجي الجرجيسي والمسؤول على التحكيم !    أنيس الجزيري: صادرات تونس نحو إفريقيا جنوب الصحراء تظل ضعيفة رغم تضاعف قيمتها ثلاث مرات    بعد أيّام سخونة...الجوّ باش يتبدّل والأمطار جايا لتونس!    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    معهد باستور بتونس: عدد براءات الاختراع المودعة لا يتجاوز 5 سنويا    عجائب كرة القدم.. النجم الذي لعب مباراتين رسميتين لمنتخبه وناديه في يوم واحد وفي بلدين مختلفين    عاجل/ العاصمة: ضبط اكثر من 18 الف قرص "ليريكا" في نزل شعبي وايقاف اجنبي    عاجل/ صراع جديد بين المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف    عاجل/ تأجيل القضية الاستعجالية ضد المجمع الكيميائي بقابس الى هذا الموعد    القصرين: تسجيل 331 مخالفة اقتصادية وحجز أكثر من 45 طنا من الخضر والغلال خلال شهر أكتوبر المنقضي    القيروان: إيواء تلميذتين بقسم الإنعاش بعد تناولهما داخل المعهد مبيدا للفئران    عاجل: للتوانسة... ديوان الافتاء يحدد مقدار زكاة الزيتون والتمر لسنة 1447 ه    عاجل/ تحديد قيمة زكاة الزيتون والتمر    حمدي حشّاد: تونس تحت موجة حر متأخرة    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الصهيوني على غزة..#خبر_عاجل    مفتي الجمهورية يعلن عن مقدار زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل/ اتحاد الفلاحة يحذّر التونسيين من استهلاك هذه المادة..    تونس تشارك في بطولة العالم للشبان لكرة الطاولة برومانيا من 23 الى 30 نوفمبر بلاعبين اثنين    زغوان: تخصيص اعتماد بقيمة 17 مليون دينار لتهذيب 3 محطات لمعالجة المياه المستعملة وتجديد تجهيزاتها    اتّحاد الفلاحة يطالب بتخفيض أسعار الأجبان لحماية صحة المواطن    المنتخب الوطني للأصاغر والأواسط للتايكواندو يتحوّل الى الدوحة    9% من التوانسة مصابين بأمراض الكلى    أزمة صحية عالمية.. انفجار في معدلات ارتفاع ضغط الدم بين الأطفال    ميزانية أملاك الدولة 2026 ترتفع إلى 94 مليون دينار.. أين ستذهب الأموال؟    منهم إيوان والأخرس وهالة صدقي.. ألمع النجوم المرشحين لنيل جائزة نجوم تونس    عاجل/ السجن لموظف بقباضة استولى على 20 ألف دينار..وهذه التفاصيل..    غوغل تحذر مستخدمي أندرويد من تطبيقات VPN مزيفة تهدد بياناتهم المالية والشخصية    وزارة السياحة تحذر المعتمرين من التعامل مع مكاتب أو أفراد غير مرخصين لتنظيم العمرة    كأس أوروبا 2028: الافتتاح في كارديف والنهائي في ويمبلي    تونس: قافلة في المدارس باش تعلّم صغارنا كيفاش يستهلكوا بعقل    الأطباء الشبان يعلنون إضرابًا وطنيًا بيوم واحد في كليات الطب والمؤسسات الصحية يوم 19 نوفمبر    عاجل/ انقلاب قارب "حرقة".. وهذه حصيلة الضحايا..    وزير الفلاحة يؤكّد الالتزام بمزيد دعم قطاع الغابات وإرساء منظومة حماية متكاملة    انتقال رئاسة النجم الساحلي الى فؤاد قاسم بعد استقالة زبير بية    بعد أكثر من 200 عام..أمريكا تتوقف عن إصدار العملة المعدنية من فئة السنت    اغتيال مهندس نووي مصري ب13 طلقة وسط الشارع في الإسكندرية    هام/ ترويج وتمويل صادرات زيت الزيتون والتمور محور اجتماع تحت إشراف وزير التجارة..    سوسة: طفل العاشرة يحيل شيخ إلى غرفة الإنعاش    لافروف: أوروبا تتأهب لحرب كبرى ضد روسيا    تصالح أيمن دحمان مع الحكم فرج عبد اللاوي قبل مباراة تونس وموريتانيا    ترامب يوقّع قانونا ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ أمريكا    توقيع برنامج تعاون ثنائي بين وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الثقافة الرومانية    في ذكرى وفاة عبد القادر بن الحاج عامر الخبو    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    المهدية: مواد خطيرة وحملة وطنية لمنع استعمالها: طلاء الأظافر الاصطناعية و«الكيراتين» مسرطنة    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«العميان الجدد» لمحمد إقبال حرب ..رؤية متعمقة للجوانب النفسية والفكرية والاجتماعية
نشر في الشروق يوم 28 - 02 - 2019


تونس «الشروق»
قد تكون القيمة الجمالية ذات وشائج متقاربة، ولكن ذلك ليس سببًا للتوحيد بين القصة والشعر في نفس العمل الواحد، وللتعبير عن التجربة العاطفية تلعب المصادفة دورها شعرًا أو نثرًا، لكن العاطفة الملتهبة الجياشة الشخصية تلعب دورها شعرًا أكثر منها نثرًا، وغني لأتخيل أنَّ مجموعة محمد إقبال حرب «العميان الجدد» هي أقرب للشعر منها للنثر.
إن هذا التوحد بين الشعر والنثر هو ما أعطى المجموعة رونقًا خاصًّا، ولمعانًا منقطع النظير، رفع المجموعة فوق مستوى الحياة وزخرفتها بما تحتويه اللغة التخييلية من سحر جذَّاب.
احتوت المجموعة المبهرة على ثلاث وثلاثين قصة كانت جلها أكثر انفتاحًا وأكثر عصرنةً عن غيرها من المجموعات القصصية التي تنهال علينا من هنا وهناك، حيث كانت تلك الوحدة بتوالي الأحداث وفي تصارع الشخصيات، وفيما يتيحه السرد والتصوير والحوار، من خلال امتداد الفترة الزمنية للمجموعة التي تسكب إحساسها في الخارج، لتصل إلينا مستدرةً عواطفنا ومثيرة في معتقداتنا وأفكارنا وتحركنا تجاه شيء ما.
من أكثر القصص التي لفتت انتباهي واتخذت عنوان المجموعة كاملة هي قصة العميان الجدد، حيث ينقلك الكاتب إلى عالم آخر غريب الأطوار بطريقة سينمائية، وهذا يعني أن القصة تصلح للتمثيل بامتياز، حيث تتشكل درامية القصة المثيرة من أول كلمة إلى آخر كلمة بواسطة تجسيد الفعل بواسطة الحركة ومن خلال الحوار وبهما ندرك فكر الشخصيات والفرق بين البصر والبصيرة، والتي تتولى عما يعتمل في الداخل بواسطة الكلمة وفي جميع ذلك تظل الحاجة إلى مشاهد يتملك قدرًا من اللماحية يستكمل بها تصور ما تبطنه الشخصية في أبعادها المختلفة.
ماذا لو عُمِيَ المبصرون الذين هم عميُ البصيرة، ماذا سيكون موقف العميان أصحاب القلوب المبصرة مما حدث لمن عمت قلوبهم قبل بصرهم.
هذه الجدلية الرمزية التي حيكت ببراعة الفنان الحاذق، حيكت بالأفكار الملونة بالمشاعر والدفقات الانفعالية المتوالية فهذه القصة تتجاوز مرتبة البصر إلى مرتبة السمع.
«ليس ثمة رجال أمن يحفظون القانون أو دفاع مدني قادرون على الاستجابة، وضل كل بيته، فاختلطت الأجناس والألوان والأعراق» ص3132
هذا التخييل والترميز الفائق نلمحه أيضًا في قصة فايسو وبوكة – قصة حب عصرية، حيث يخلق المؤلف أبطاله من الواقع الإلكتروني المقيت، حيث يظهر الشخوص في صور قوية ومقنعة وحقيقية وكأنك أمام فلم سينمائي حيث تتشكل رؤية المؤلف الأدبية التخييلية للشخصية من خلال استنادها على الرمز والرؤية الرومانسية الخالصة مما يعكس الانطباع الذهني للكاتب، كما أنها وليدة حياته وثقافته ومزاجه وحساسيته تجاه ما يقع من أحداث، سواء في هذه القصة أو غيرها من قصص المجموعة ...
قصة فايسو وبوكة هي رسالة شديدة لمدمني مواقع التواصل بالابتعاد عن هذا الوحش المريب...
«قدّرت الآنسة بوكة هذا الموقف فوافقت على الزواج منه من دون شروط» (ص26)...
ومن القصص المثيرة في المجموعة على سبيل المثال لا الحصر قصة تفاح، حيث ينشئ المؤلف حوارًا راقيًا بين تفاحة خضراء وتفاحة حمراء، بإيحاءات هي الأقرب للإيحاءات الجنسية والغواية التي أوقعت آدم إلى فخ الأرض، وفي هذا النوع الجديد من القصص يسيطر الحدث ويصبح بمثابة البطل الحقيقي لهذا العمل، فالحدث ينقلنا في جنبات البيئة التي تشكل مكانا يتحرك فوقه الحدث مع مجموعة أحداث أخرى ناتجة عنه لتعرض على القارئ كنماذج بشرية معينة حدّدها الكاتب لعمله، وأيضًا لتلقي الضوء على ظروف وأجواء مختلفة أراد لها الكاتب الظهور، وقد انتقل الكاتب بالحدث إلى أحداث أخرى ليوضح لنا أفكارًا معينة أراد أن يطرقها، كمسألة الخير والشر، هذا يتضح في قصة تفاح وفي قصة الخديج وكلبنة وحكاية من كوكب زحل وغيرها.
«صدم الرد التفاحة الخضراء وقالت بغضب: أنا لا أهمل نفسي لأنني أحب أن أبقى كما خلقني ربي» ص21.
في قصة حكاية من كوكب زحل تكمن الحبكة أو الفكرة الخلاقة فرجل كوكب زحل لديه العديد من الأقمار ليشبه بها زوجته، بعكس رجال الأرض الذين استهلكوا تشبيه حبيباتهم بالقمر الذي لم تتغير ملامحه على مر الأزمان.
«كم أرى وجهك حالمًا كقمر دافنيس، وعينيك براقتين كقمر أطلس، أما شفتاك فتضاهيان قمر بروميثيوس...» ص 185.
يا لهذا الكاتب الكوني الذي لم يترك شيئًا من أشياء الطبيعة والكون إلا وتطرق له، إنها عوالم وأكوان بدائل وتعويضات عن الزوغان المدقع في ظلمة الحاضر، يحيا معنا كطيف، وتحس به يلقيك إلى أكوان أخرى، وعصور حقيقية لا خيالية، لا شأن لها بها، لكنها مقيمة في دواخلنا الغائرة، وتراكماتنا الثقيلة، بمزيج من ألوان ولونيات الحياة الغابرة.
لذا كان الهدير من قصص هذه المجموعة يتقلقل ويرتج، فيعصف بالقصور والجبال والمعابد يتنقل بها وبينها كما يشاء، إنها البراعة، وبراعة الخلق القصصي الشعري، تشتد وتمتد مشكلة عصفًا حصيفًا يتفشى في أعماقنا.
ولنا في قصة اللون الثامن لأكبر دليل على هذا الظلال المخاتل، يشهد لنا محمد إقبال حرب بأننا أجرمنا بحق هذه الحياة، وانه كان ضحية مشاهداته لغروبنا وتعفننا السريع، ليضعنا على طاولات قصصه التشريحية وهو يفترع أعضاءنا الذابلات.
محمد إقبال القاص الفضائي الذي يعلن الحرب على القصة بالقصة، كيف لنا التقابل مع هذه الملكات الوافدات من الأكوان الشاسعة الغريبة جلجلة تكاد تكون عامة، فالأجراس تواصل رنينها وهي تزرع الزمن في حقول الحياة وقلب العالم المخضوض، وما هم القاص سوى توليف القصص التي تعترض الإنسان «الكائن» الذي يدميها الكاتب حينما لا تكون.
ومن هنا كانت المجموعة تتخذ مسارها الزمني وخطها الدرامي الموحد ببنية تحتية متماسكة من منطلق قناعتها بتفكك الشخصية البشرية، إننا نلبس وجوهًا متعددة تتغير في رحلتنا الزمنية، وذواتنا قد تتمازق وقد تتفارق، ونحن في دائرة التحول والتغيير ربما إلى الأسوأ والأسوأ الكريه.
لا تخلو قصص محمد إقبال حرب من سند فكري ودعامة فلسفية قد تنبع أحيانًا من الموضوع، وأحيانًا أخرى من الذات، ونحن كبشريين ضائعون في زحمة الآخرين، مجرد أسماء لذوات تطحنها الذات... الكابوس... المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.