شركة استغلال وتوزيع المياه تدعو إلى ترشيد استهلاك الماء خلال فترة عيد الإضحى    التوقيع على اتفاقية تمويل بين تونس والبنك الاوروبي لللاستثمار    القصرين: فلاحو ماجل بلعباس يوجهون نداءات عاجلة للسلط الجهوية والمركزية    الرابطة المحترفة الاولى (مجموعة التتويج): الترجي الرياضي على بعد نقطة من حصد اللقب    الأرجنتيني ميسي يعلن عدم مشاركته مع منتخب بلاده في دورة الألعاب الصيفية 2024 بباريس    بسبب كأس العالم للأندية 2025: قضية جديدة ضد الفيفا    صفاقس : النيابة العمومية تقدم كامل التفاصيل لوفاة عون الأمن وأحد الأفارقة    ''خطأ فادح'' قد يتسبّب في ترحيل هؤلاء الحجيج من السعودية    مفزع: 71 قتيلا في حوادث مرور في اقل من شهرين!!    قفصة: حفل اختتام السنة التنشيطية لرياض الاطفال تحت شعار "الرؤية البيئية بمؤسسات الطفولة المبكرة "    مدفوعا بتباطؤ التضخم: استقرار معدل الفائدة الأمريكي عند %5.5    العالم الهولندي: زلزال قوي سيضرب هذه الدول المتوسطية    المندوب الجهوي للتربية بالكاف: ضبط 25 حالة غش طيلة الدورة الرئيسية للبكالوريا    عاجل/ وفاة طفل ال9 سنوات بحريق في منزله: توجيه تهمة القتل العمد للوالد    مفتي الجمهورية: أضحيّة العيد تنقسم إلى ثلاثة أجزاء    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الدور النهائي    إستعدادا لكوبا أمريكا: التعادل يحسم مواجهة البرازيل وأمريكا    القنوات الناقلة لمباراة أنس جابر اليوم في ثمن نهائي بطولة نوتنغهام    الداخلية: سقوط عون الأمن كان فجئيا    سليانة: وضع 7 أطباء بياطرة لتأمين المراقبة الصحية للأضاحي أيام العيد    البنوك تفتح شبابيكها يوم السبت    هكذا سيكون طقس اليوم الأوّل من عيد الإضحى    الكنام تشرع في صرف مبالغ استرجاع مصاريف العلاج لفائدة المضمونين الاجتماعيين    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    انطلاق أولى رحلات قطار المشاعر المقدّسة لموسم حج 2024    1600 هو عدد الشركات الفرنسية في تونس    تجربة جديدة للقضاء على الحشرة القرمزية..التفاصيل    أكثر من 30% من التونسيين لا يستطيعون اقتناء الأضاحي هذا العام    منتدى تونس للاستثمار: استثمارات مبرمجة ب 3 مليارات اورو    عاجل/ بطاقات إيداع ضد رجل الأعمال حاتم الشعبوني وإطارين ببنك عمومي من أجل هذه التهم    محمد بن سلمان يعتذر عن عدم حضور قمة مجموعة السبع    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    بدعوة من ميلوني: قيس سعيد يشارك في قمة مجموعة السبع بإيطاليا    اليوم: طقس مغيم مع ظهور خلايا رعدية بعد الظهر والحرارة بين 25 و46 درجة    جريمة جندوبة الشنيعة: هذا ما تقرر في حق المتهمين الأربعة..#خبر_عاجل    لحماية الهواتف من السرقة.. غوغل تختبر خاصية جديدة    باجة: تقدم موسم حصاد الحبوب بنسبة 30 بالمائة    عاجل/ الإحتفاظ بعضو في الحملة التونسية للمقاطعة    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد...و هذه التفاصيل    برنامج أبرز مباريات اليوم الخميس و النقل التلفزي    120 مليونا: رقم قياسي للمهجرين قسراً حول العالم    صديق للإنسان.. جيل جديد من المضادات الحيوية يقتل البكتيريا الخارقة    قربة تحتضن الدورة التأسيسية لملتقى الأدب المعاصر    قصة..شذى/ ج1    زاخاروفا تعلق على العقوبات الأمريكية.. روسيا لن تترك الأعمال العدوانية دون رد    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    بهدوء ...أشرار ... ليس بطبعنا !    عاجل بصفاقس : معركة بين افارقة جنوب الصحراء تسفر عن وفاة عون امن وشخص افريقي اثر عملية مداهمة    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    تونس: ''أمير'' الطفل المعجزة...خُلق ليتكلّم الإنقليزية    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    83% من التونسيين لديهم ''خمول بدني'' وهو رابع سبب للوفاة في العالم    بالفيديو: ذاكر لهذيب وسليم طمبورة يُقدّمان الحلول لمكافحة التدخين    شيرين عبد الوهاب تعلن خطوبتها… و حسام حبيب على الخطّ    طقس الاربعاء: خلايا رعدية محلية مصحوبة ببعض الأمطار    ديوان الإفتاء: مواطنة أوروبية تُعلن إسلامها    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس والعلاقات الدولية: دور فاعل ومبادرات متميّزة إقليميا وعالميا
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

-بقلم: أ.د. توفيق بوعشبة: (الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس)
في هذا الوقت الذييمرّ فيه العالم والمجتمع الدولي بظروف في غاية الحساسية والصعوبة وأحيانا الخطورة فإن كيفية التحرّك في نطاق وفضاءات العلاقات الدولية يحتاج إلى كثير من التبصر والحكمة والثبات عى المبادئ الايجابية والقيم النبيلة التي من شأنها أن تساعد على تذليل الصعاب ودرء المخاطر وحلّ المشكلات المطروحة مهما كانت درجة تعقيدها.
فعالم اليوم الذي تحقق فيه تقدّم هائل على أصعدة متنوعة رجع بالفائدة على جلّ المجتمعات، يشهد أيضا وبصورة موازية تفاقم مظاهر العنف والنزاعات المسلحة الضارية من حروب داخلية ودولية كما يشهد وفي الجانب السلبي للتطورات الحاصلة تفاقم ظاهرة الفقر وتفشي بعض الأمراض والانحرافات التي لم يتمكن المجتمع الدولي بعد من التغلب عليها أو من درئها.
فنحن إذن بصدد عالم تحقق فيه كثير من التقدّم على الصعيد العلمي والتكنولوجي ولكنه عالم لم يتحقق فيه ما كان يرتقبه المجتمع الدولي اثر الخروج من الحرب العالمية الثانية ودخول الانسانية في مرحلة بل في عهد كان يعتقد أنه سيكون منطلقا لإقرار السلام والأمن على الصعيد العالمي وللقضاء نهائيا على الاستعمار ولاطلاق كافة أنواع المبادرات المؤدية إلى ضمان كرامة الانسان أينما كان وإلى تحقيق التنمية الاقتصادية للبلدان التي بقيت متخلفة، كلّ ذلك من أجل عالم يسوده السلام والأمن والرفاه، عالم متضامن تسعى دوله إلى تطوير العلاقات فيما بينها على أسس الاحترام المتبادل والتعاون وفق ما يفرضه القانون الدولي الجديد الذي عبّر عنه بصورة خاصة ميثاق الأمم المتحدة وهو قانون دولي يقطع مع القانون الدولي القديم الذي كان يأخذ بمفاهيم مبرّرة لعدوان ولتسلط القوي على الضعيف، مبرّرة لاستخدام القوّة بكل حرية ضدّ الغير، مبرّرة للاستعمار ومبرّرة لهتك الحقوق الانسانية.
كلّ ذلك تمت مراجعته بل إلغاؤه ونبذه بصورة قطعية من قبل القانون الدولي الجديد الذي استفادت المجموعة الدولية في صياغته من التجارب المريرة التي عاشتها الانسانية والتي كانت الحقبة النازية احدى آخر تجلياتها. فجاء القانون الدولي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مؤكدا ضرورة توخي الحل السلمي للنزاعات الدولية وضرورة احترام سيادة الدول وعدم المساس بحرمتها الترابية وضرورة انهاء الاستعمار على أساس حق الشعوب في تقرير مصيرها بذاتها وضرورة احترام حق الشعوب في السيادة على ثرواتها وخيراتها الطبيعية، إلى غير ذلك من المبادئ التي يجب الأخذ بها من قبل جميع الدول وإن كانت دولا عظمى، إضافة إلى عدّة مبادئ أخرى تصب من ناحيتها في ارساء أفضل العلاقات بين الدول في جميع المجالات. ومثل تلك الصياغة الجديدة للقانون الدولي والتي عبّر عنها كما قلنا ميثاق الأمم المتحدة باعتباره الميثاق الذي سيحكم بصورة أساسية العلاقات الدولية تحقق لها تطويرات ايجابية متتالية على مرّ السنين والعشريات التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن كلّ ذلك ومع الأسف العميق لم يؤدّ إلى تحقيق الأهداف المرجوة والمأمولة بصورة كافية. بل وأكثر من ذلك فإن المكاسب التي تحققت في القانون الدولي كقانون مخصّص لأن يحكم العلاقات الدولية ولأن يسوس المجتمع الدولي تقهقر جانب وافر منها جراء عدم تمسك عديد الدول منها دول عظمى ومنها دول نامية بمقتضياته، الأمر الذي أدى إلى انخرام في العلاقات الدولية والذي زاده تعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء ضراوة غير معهودة أفرزت مظاهر ذات خطورة بالغة منها الحروب والاقتتال وأعمال الإبادة الجماعية والارهاب. يضاف إلى كل ذلك بروز أنواع جديدة من الجرائم المنظمة استهدفت حتى النساء والأطفال والفقراء ذواتهم فيما يقع استغلالهم فيه من أنشطة فظيعة وفي أعمال غير مشروعة. فالمشهد العالمي من ناحية وحالة العلاقات الدولية من ناحية ثانية يدعوان فعلا إلى القلق وإلى ضرورة اعتماد وتوخي السلوكات الدولية التي من شأنها أن تضمن الوقاية أولا والعلاج المطلوب ثانيا.
والذي ينظر إلى موقف تونس من ذلك المشهد ومن تلك الحالة يمكنه الملاحظة وبكل يسر أن هذه الدولة التي كانت دائما دولة سلم ودولة تحب الخير للجميع إنما تنتهج سياسة خارجية تعدّ نموذجية في العلاقات الدولية من حيث التمسك بالقانون الدولي عن طريق التمسك بالدرجة الأولى بميثاق الأمم المتحدة ومن حيث المساهمة البناءة في نشاط وفي حياة المنظمات الدولية ومن خلال ما تعرضه على المجتمع الدولي من مبادرات بناءة لمعالجة بعض الأوضاع أو لتطوير بعض المجالات سعيا منها إلى ضمان أكبر قدر ممكن من السلم والأمن في العالم وفي تصحيح عدم التوازن الصارخ بين الدول الغنية المتقدمة والدول الضعيفة أو الفقيرة، وفي نفس الاتجاه السعي إلى القضاء على الفقر في العالم، وإلى جعل المجتمع الدولي ملتفا حول المنتظم الأممي الذي يعدّ المرجع الأساسي الضامن لحياة ولعلاقات دولية سليمة. ففيما يخص التمسك بالقانون الدولي فإن الدولة التونسية أثبتت دون أي خلل على الاطلاق احترامها للقانون الدولي وحثها الدؤوب إزاء مختلف النزاعات أو الخلافات الدولية التي تنشب في أي مكان في العالم على ضرورة احترام الشرعية الدولية السليمة التي تترجم ما يقتضيه القانون الدولي، وفيما يتعلق بتمسك تونس بالقانون الدولي لا نبالغ إذا قلنا أن تونس هي دولة قانون دولي. فبقدر ما تسعى تونس إلى أن تكون دولة قانون على الصعيد الداخلي وهو مطلب تم تكريسه بنص الدستور ذاته كما تم تنقيحه في نطاق الاصلاح الدستوري الجوهري المجرى حديثا بقدر ما تتجلى تونس كدولة قانون دولي على صعيد العلاقات الدولية.
وتونس التي وجدت في منظمة الأمم المتحدة نصيرا متميزا لما كانت تناضل وتكافح من أجل استقلالها، نجدها اليوم من أبرز المناصرين لهذه المنظمة. فكما جاء في بيان تونس الذي تمت تلاوته مؤخرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والخمسين من قبل وزير الخارجية التونسي فإن تونس تدعو إلى «أن تبقى منظمة الأمم المتحدة الاطار الذي تتضافر فيه جهودنا من أجل استتباب الأمن والاستقرار والمصدر للشرعية الدولية التي يجب أن تلتزم بها جميع دولنا بدون استثناء وأن يكون تطبيقها بعيدا عن سياسة المكيالين. ومع دعوتها المستمرة إلى التمسك بمنظمة الأمم المتحدة فإن تونس ترى اليوم ضرورة «تطوير أداء الأمم المتحدة وأسلوب عملها في نطاق المبادئ النبيلة التي انبنى عليها ميثاقها ومن خلال العمل على تعزيز دور هياكلها الرئيسية وبالخصوص تدعيم دور مجلس الأمن ومصداقيته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتفعيل دور الجمعية العامة وتطويره في خدمة قضايا السلم والأمن والتنمية».
وفي هذا السياق يضيف بيان تونس الذي تمت تلاوته على الجمعية العامة للأمم المتحدة كما سبق ذكره أن تونس تساند الدعوة المتعلقة بالتعجيل في إدخال الاصلاحات اللاّزمة على المنظمة، علما أن تونس شاركت خلال السنوات الماضية في المداولات التي خصّصت لتلك الاصلاحات وأن تونس «مستعدة لمواصلة الإسهام بفعالية في الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق هذا الهدف الذي أصبح اليوم متأكدا أكثر من أي وقت مضى».
وهنا يلاحظ أن تونس لا تكتفي بالتعبير عن مساندتها للأمم المتحدة بل إنها تتحرك بصورة فعلية إزاء المنتظم الأممي وتقدّم له دعما معنويا وسياسيا ملحوظا من الداخل. نذكّر بهذا دون أن ننسى أن تونس كانت من الدول التي قبلت المشاركة في قوات أممية لحفظ السلام في بعض المناطق من العالم استجابة لما كانت تنشده منظمة الأمم المتحدة.
وإذا كانت تونس داعمة بصورة ثابتة لمنظمة الأمم المتحدة فإن دورها ومساهمتها في المنظمات الدولية الاقليمية التي تخصها يشهد به الجميع كما هو الحال بالنسبة إلى جامعة الدول العربية وإلى الاتحاد الافريقي وإلى منظمة المؤتمر الإسلامي. وأما على صعيد المغرب العربي فإن قناعة تونس بأن الاتحاد المغاربي يشكل خيارا استراتيجيا وواقعيا جعلها تعمل دون هوادة على تفعيل هذا التنظيم الدولي المغاربي الذي يؤمل فيه أن ييسر الاندماج المغاربي على نحو يحقق مناعة بلدان المغرب العربي وشعوبها كما يحقق رخاءها وتقدمها.
ومع تمسك تونس بالمنظمات أو التنظيمات الدولية التي هي عضو أساسي فيها على الصعيد الاقليمي، فإنها سعت إلى تطوير علاقات ذات أبعاد أخرى مع الفضاء الأوروبي وتحديدا مع الاتحاد الأوروبي حيث تعمل تونس على تنمية علاقاتها بهذا الاتحاد كما تعمل على تنشيط العلاقات البناءة والتي ترجع بالنفع أيضا على الدول المغاربية الأخرى على الصعيد المتوسطي. ومن دلائل هذا التوجه الخيّر احتضان تونس المقبل لقمة «5 زائد 5» والتي من شأنها أن تعطي دفعا لا فقط للشراكة المغاربية المتوسطية ولكن أيضا للشراكة المغاربية في حدّ ذاتها. فتونس وهذه خصلة رئيسية من خصال السياسة الخارجية للعهد الجديد تتحرّك على أصعدة وفي اتجاهات اقليمية ودولية متنوعة. فتونس تؤمن بأهمية العلاقات «جنوب جنوب» كما تؤمن بأهمية العلاقات «جنوب شمال» وهو ما يدل على وجود نظرة استراتيجية متكاملة تدل على السعي الدؤوب إلى تقوية اللحمة مع الأشقاء من ناحية وإلى تطوير العلاقات مع الأصدقاء من ناحية ثانية.
وفي هذا الصدد يمكن القول ان المحيط الخارجي يكنّ لتونس كل التقدير بل وأكثر من ذلك يمنحها ثقة لا يمكن أن تنالها دولة إلا إذا كانت تتوفر فيها مقوّمات المساهمة الرصينة والفعّالة في الوقت ذاته في مجالات العلاقات الدولية. ومثل هذا الاعتبار هو الذي جعل المجموعة الدولية تتبنى عددا من المقترحات والمبادرات الصادرة عن تونس، فالمجموعة الدولية تبنت مقترح الرئيس بن علي المتعلق باحداث صندوق عالمي للتضامن ومكافحة الفقر، علما أن هذا المقترح نال تأييد لا فقط المجموعة الدولية المكونة من مجموع دول العالم عن طريق الجمعية العامة للأمم المتحدة وإنما أيضا تأييد المجتمع الدولي بمختلف مكوّناته. كما أن المجموعة الدولية منحت تونس ثقة متميزة تجلى من خلالها وضع تونس على قدم المساواة وسويسرا في تنظيم واحتضان «قمة مجتمع المعلومات» حيث اختيرت تونس لاحتضان هذه القمة في مرحلتها الثانية من 16 إلى 18 نوفمبر 2005 بعد أن تكون القمة قد اجتازت مرحلتها الأولى بجنيف في شهر ديسمبر المقبل 2003 .
هذا مع العلم أن تونس ستسعى من خلال القمة العالمية المرتقبة إلى بلورة «خطة عالمية تسهم في دعم التعاون بين أعضاء المجموعة الدولية وتعزيز وظيفة الاتصال والمعلومات في خطط التنمية». ومع العلم أيضا أن تونس كانت قد دعت بمناسبة انعقاد اجتماع المندوبيين المفوضين للاتحاد الدولي للاتصالات بمدينة مينيا بوليس الأمريكية خلال سنة 1998 إلى ضرورة بحث السبل المساعدة على حسن توظيف تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لتحقيق التنمية المنشودة في البلدان النامية. وينتظر من قمة مجتمع المعلومات أن تفضي إلى اعتماد نتائج سترتب مفعولا ايجابيا على الصعيد العالمي. وفي تلك المناسبة فإن تونس ستكون بمثابة العاصمة العالمية التي تكون أنظار مختلف أعضاء المجتمع الدولي متوجهة إليها.
كما يجدر التذكير في باب المبادرات التونسية لدى المجموعة الدولية أن تونس كانت قد دعت الى وضع مدونة سلوك حول مكافحة الارهاب «تلتزم بهاجميع الدول وتتضمن المبادئ التي من شأنها أن تشكل توافقا دوليا وقاسما مشتركا في التصدي الجماعي لهذه الظاهرةعلى أن يعقد مؤتمر دولي لغرض إعداد مثل هذه المدوّنة»، علماأن تونس وكما وضّح ذلك الرئيس بن علي في الخطاب الذي وجهه مؤخرا الى الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الاسلامي المنعقدة في بوترا جايا (ماليزيا) ترى أن اعتماد مثل تلك المدونة «من شأنه أن يوضح المفاهيم وأن يضع حدا لكل أشكال الخلط بينها وبين ديننا الاسلامي الحنيف، أو بينها وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال». وكما بيّن سيادة الرئيس «أن نجاح المجموعة الدولية في معالجة هذه الظاهرة لا يتحقق بدون معالجة الأسباب العميقة لهذه الظاهرة والعمل على ازالة عوامل الاحباط والاقصاء والتهميش الناجمة عن اتساع الهوة بين العالم المتقدمة والعالم النامي والحد من تفاقم الاثار السلبية للعولمة». وفي مثل هذا التوضيح تعبير عما يمكن أن نسميه «بالفكر الدولي للرئيس بن علي» كفكر يتناول المشكلات المطروحة على صعيد العلاقات الدولية بعمق يتجه الى جذور المشكل ولايتوقف عند تجلياتها وهي في مرحلتها الأخيرة.
تلك العينة من المبادرات التونسية في مجال العلاقات الدولية تضاف الى المواقف الثابتة لتونس تجاه عدد من الأزمات أو القضايا التي طرحت في العالم وبخاصة في المنطقة العربية خلال هذه الفترة الحديثة. فلا ننسى المواقف المستندة الى ثوابت السياسة الخارجية التونسية والتي تم التعبير عنها واعتمادها سواء في فترة الغزو العراقي للكويت أو في فترة الحرب التي تمّ شنّها على العراق حيث نادت تونس بضرورة حل النزاعات والخلافات بالطرق السلمية كما دعت الى احترام المبادئ التي يتضمنها القانون الدولي في ما يخص العلاقات الودية والسلمية بين الدول كما دعت تونس في جميع الحالات الى احترام الشرعية الدولية المعبرة عن القانون الدولي وها أن تونس اليوم تعرب عن تمسكها باستقلال العراق ووحدة أرضه وشعبه كماتؤكد على ضرورة اضطلاع الأمم المتحدة «بدورها المركزي من أجل استتباب الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق حتى يتسنّى الشروع في اعادة إعماره وحتى يستعيد ظروف الحياة الطبيعية.. وتمكين الشعب العراقي من تثبيت سيادته في أقرب الآجال» كما تمّ ذكره ببيان تونس المقدم الى الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا. وإذا أشرنا هنا الى موقف تونس ونظرتها الى الحالة العراقية كما تظهر اليوم، فإنه لا يفوتنا التذكير بموقف تونس ازاء القضية العربية المركزية ألا وهي القضية الفلسطينية. فكما هو معلوم لدى المجتمع الدولي بأسره فإن وقوف تونس بجانب الشعب الفلسطيني ومؤازرته ودعمه كدعم سلطته الوطنية إنما يشكل أحد ثوابت السياسة التونسية في المجال العربي. فتونس ناصرت القضية الفلسطينية في جميع أطوار هذه القضية.
كما أن تونس احتضنت في وقت مضى منظمة التحرير الفلسطينية وعددا هائلا من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق والذي يعتبر التونسيون قضيته بمثابة قضيتهم. وإذا كان دعم تونس للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني المجاهد لا يحتاج الى تذكير فإنه من المفيد التذكير بالموقف الثابت للسياسة الخارجية التونسية حول نوعية الحل المطلوب في هذا الخصوص حيث كما وضح الرئيس بن علي في خطابه الموجه الى الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الاسلامي بتاريخ 17 أكتوبر 2003 وهو المؤتمر الذي انعقد كما سبقت الاشارة اليه بماليزيا «ان تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة يقتضي تمكين الشعب الفلسطيني من كافة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أرضه وعاصمتها القدس الشريف..».
وعلى صعيد آخر وإن على الصعيد العربي دائما، فإنه من المفيد التذكير بالموقف المؤازر الذي توخته تونس إزاء الشقيقة ليبيا التي فرضت عليها عقوبات اقتصادية جراء قضية لوكربي، كما أنه من المفيد إبراز موقف تونس الداعم لجامعة الدول العربية التي تمرّ في هذا الوقت وبصورة متجددة بأزمة عميقة خصوصا وأن دوائر خارجية تسعى الى تصفية النظام الاقليمي العربي الذي تجسده الجامعة كما تسعى الى انهاء وجود الجامعة وإذابة الجسم العربي في تنتظيم شرق أوسطي يكون لإسرائيل موقع بارز فيه.
فتونس مستمرة في دعمها لجامعة الدول العربية وقد كان لها مبادرات هادفة في هذا الاطار من بينها مبادرتها المتعلقة بوضع آلية لحسم الخلافات والنزاعات التي قد تنشأ بين الدول العربية وديا، واليوم نشعر أن جامعة الدول العربية بحاجة ماسة الى تونس وما من شك أن تونس ستعمل كل ما تستطيع للحفاظ على الجامعة مع تطويرها تأسيسا على إيمانها الصادق «بضرورة تعزيز العمل العربي المشترك وتوطيد دور جامعة الدول العربية في سبيل تحقيق أهدافها النبيلة». كما أن تونس وكما أعلنت ذلك ستقوم خلال فترة رئاستها للقمة العربية المقبلة على «مزيد دعم أواصر التعاون والتضامن والتكامل بين الدول العربية». وإذا كان لتونس من ناحية أخرى دور في غاية الفعالية في نطاق الاتحاد الافريقي، فإن المجال الاسلامي يحظى بدوره بأهمية بالغة أيضا. فلا ننسى أن تونس كانت من الدول المؤسسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي التي أصبحت اليوم تجمع أكثر من خمسين دولة اسلامية. كما أن تونس كانت ولازالت حاضرة وبفعالية في جميع أجهزة وسياسات وبرامج وخطط هذه المنظمة اضافة الى العلاقات العملية القائمة بين الدولة التونسية وإحدى المؤسسات الناجحة المنبثقة عن منظمة المؤتمر الاسلامي ألا وهي البنك الاسلامي للتنمية الذي يقدم قروضا للدول الاسلامية ويمول مشاريع فيها. ومع اهتمامها بمختلف المسائل والقضايا التي تعنى بها منظمة المؤتمر الاسلامي فإن تونس تبتغي من المنظمة أن تقوم بدور في مجال التصدي للحملات المغرضة التي تهدف الى تشويه صورة الاسلام الحنيف. وفي هذا الخصوص بيّن الرئيس بن علي في خطابه الموجه الى الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الاسلامي المنعقد مؤخرا في ماليزيا «أن ترسيخ السلم والاستقرار في العالم يستوجب تكريس مبادئ الحوار والتفاهم والتسامح بين الشعوب وهي قيم فكرية وحضارية ضرورية لبناء علاقات دولية متوازنة. ولا شكّ أن منطق الصدام بين الحضارات يتنافى مع القيام السامية التي نادت بها مخلتف الشرائع السماوية وأقرتها العهود والمواثيق الدولية. ومن هذا المنطلق وعملا بمبادئ ديننا الاسلامي الحنيف فإن دولنا ومنظمتنا مدعوة الى العمل على تكريس الحوار بين الثقافات والأديان والسعي الى ابراز صورة الاسلام الناصعة»..
وهكذا، فسواء أخذنا العلاقات الخارجية التونسية على الصعيد الاقليمي أو على الصعيد العالمي فإنه يتجلى بكل يقين أن السياسة الخارجية لتونس ومواقفها من مختلف القضايا والمشكلات الدولية إنما تدل على اعتماد سياسة مبنية على ما تمليه الثوابت الوطنية والقيم الأصيلة التي تؤمن بها تونس كما تدل على تمسك تونس بالقانون الدولي ومن ثم تمسك تونس بميثاق الأمم المتحدة الذي هو تعبير عن القانون الدولي في تجلياته المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وبالتعاون الدولي الهادف الى تحقيق الخير لجميع الشعوب والأمم على أساس من الاحترام المتبادل والمساواة في السيادة وحق الشعوب في تقرير مصيرها بذاتها وتوخي طرق الحل السلمي للنزاعات والخلافات الدولية.
وأكثر من ذلك فإن تونس تعد نموذجا يحتذى إقليميا وعالميا سواء من حيث احترام القانون الدولي أو من حيث التجاوب مع الأنشطة والأهداف الأممية البناءة أو من حيث الدور الفاعل في ذلك أو من حيث المبادرات والتصورات والمقترحات المدروسة التي تقدمها للمجموعة الدولية والتي بيّنت التجربة أنها سرعان ما تحظى بقبول وباستحسان هذه المجموعة وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن بصدد دولة تكرّس جهودها في مجال العلاقات الدولية في المساهمة بكل ما لديها من طاقة ومن فكر ومن تصورات في تدعيم الأمن والسلم الدوليين وفي حثّ الدول الغنية على اعتبار حالة الفقر العميق الذي مازال منتشرا في ربوع من العالم الأمر الذي يستدعي بذل جهود حقيقية من أجل معالجة تلك الظاهرة الموثرة سلبا على الحياة الدولية كل ذلك مع ضرورة تمكين الشعوب التي مازالت تقاوم الاحتلال الأجنبي من حقوقها المشروعة المبنية أصلا على حق الشعوب في تقرير مصيرها بذاتها طبق ما يقتضيه القانون الدولي.
ومثل تلك التوجهات التي تميز أداء تونس وكيفية تعاملها إزاء العلاقات الدولية انما تبرز بكل وضوح الصياغة المحكمة للسياسة الخارجية التونسية منذ تحول السابع من نوفمبر 1987 حيث حافظت هذه السياسة الخارجية على مكاسب ماض ديبلوماسي زاهر وجدير بالاعتبار مع اثرائها وتطويرها على ضوء المبادئ التي تم اعلانها في بيان السابع من نوفمبر والخيارات التي استقرت عليها القيادة السياسية الرشيدة للبلاد منذ ستة عشر سنة من التغيير، الأمر الذي جعل تونس تنجح لا فقط في صياغة السياسة الخارجية للدولة وإنما أيضا في تجسيد محتويات هذه السياسة الخارجية وخياراتها في ميدان العلاقات الدولية على صعوبة التحرك فيها في وقتنا الحاضر نظرا للمشكلات والتوترات الحادة التي يشهدها العالم ونظرا للمرحلة الحساسة التي يمرّ بها المجتمع الدولي الذي اختلّت فيه التوازنات المطلوبة بشكل خطر للغاية.
فمع وجود كل تلك الصعاب التي نعرفها تشق تونس الطريق في مجالات العلاقات الدولية بكل ثبات وبكل تبصّر وهي تتمتع باحترام وبتقدير المجموعة الدولية لما تقوم به من دور فاعل منسجم مع متقضيات ميثاق الأمم المتحدة ومع مبادئ قانون المجتمع الدولي ولما تقدمه من مبادرات تساعد به المجموعة الدولية على تحقيق الأمن والسلم والرفاه في العالم على أساس التعاون المثمر بين مختلف الدول. وكل هذا يبرز بكل وضوح الدور الفاعل لتونس في مجال العلاقات الدولية وأهمية المبادرات التي تسهم بها في هذا المجال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.