إنّ ما يسمّى بالسّوق العالميّة للإنتاج الزّراعي ليست في الواقع سوى مجالا تتحكّم فيه الشّركات الكبرى ومؤسّسات البذور والكيمياء والبيوتكنولوجيا حيث يفرض هؤلاء قوانينهم وفقا لمصالحهم غير عابئين بمصالح المزارعين سواء في البلدان الصّناعيّة أو في بلدان الجنوب وغير مكترثين بما قد ينجرّ عن كلّ ذلك من إخلال بالتّوازن البيئي وإهدار للمصادر الطّبيعيّة. بالمقابل تستند فلاحة المزارعين لإدارة لعمليّة الإنتاج الزّراعي وفقا لمصالح الجهات والبلدان ومجموعات البلدان والعالم قاطبة. لقائل أن يقول: إنّ "العودة" إلى فلاحة المزارعين من شأنه أن يؤدّي إلى نتائج سلبيّة كتراجع حجم الإنتاج ممّا يعمّق الأزمة الغذائيّة العالميّة. مما لا شك فيه أن الزّراعة المحلّية تتناقض مع قوانين الاقتصاد السائدة. فما يسمّى بالعلم الاقتصادي ليس سوى ذلك الحساب الكمّي الذي لا يعتني إلاّ بالمراكمة وتوفير الأرباح لكن المجال الزّراعي يرتبط بعوامل متعدّدة : الإنتاج- المناخ- التّوازن البيئي- المصادر الطبيعيّة من ماء وتنوّع بيولوجي- جودة الإنتاج وخلوه من الموادّ المضرّة بالصّحة... . في الحقيقة فإنّ فلاحة المزارعين في ضيعات محدودة المساحة ولا ترتقي إلى مستوى المنشأة الزّراعيّة العصريّة قادرة على تحقيق إنتاج وافر وذي جودة عالية. فكلّ ذلك مرهون بمدى توفّر الظّروف التي تسمح بمثل هذه النّتائج. فلقد أكدت دراسات عديدة إمكانيّة تفوّق الزّراعة المحلّية والعائليّة على الزّراعة المصنّعة والكيميائيّة. لا يفوتنا أن نذكر بأنّ فلاحة المزارعين تشغّل اليوم ما يقارب 1,3 مليار مزارع وتضمن العيش ل2,5 مليار نسمة. فرغم الهجوم الذي ما فتئت تشنّه مؤسّسات البذور والكيمياء والفلاحة الصّناعيّة لازالت فلاحة المزارعين والضّيعات العائليّة توفّر80% من الحاجيات الغذائيّة لبلد كالبرازيل. بطبيعة الحال تفتقد هذه الزّراعة للدّعم والتّنسيق بين مختلف الأطراف الفاعلة سواء في مستوى عمليّة الإنتاج أو في مجال تبادل التّجارب والمعارف والخلق وهذا ناتج عن هيمنة الفلاحة الصّناعيّة والكيميائيّة. لكن رغم كلّ هذه العراقيل والعوائق التي تحيط بنشاط فلاحة المزارعين لازالت هذه الأخيرة صامدة وهذا دليل قاطع على نجاعتها. ففي إطار الفلاحة الزّراعيّة يمكن تطوير أساليب إنتاج خلاّقة وجديدة وتطوير وسائل تقنية من شأنها أن تدعم هذا القطاع. كلّ ذلك يظلّ مرهونا بإطلاق المبادرات الفرديّة والجماعيّة وتهيئة الظّروف الملائمة للابتكار. (يتبع)