بعد نحو شهر ونصف من بداية الحراك السلمي استطاع الجزائريون أخيرا تحقيق أهم مطلب من مطالبهم المرفوعة بعد العدول عن الترشح للخامسة متمثلا في استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رسميا عبر رسالة أذاعتها وكالة الانباء الرسمية عشية يوم الثلاثاء 2 افريل 2019. الامر الذي اعتبرته الجماهير مكسبا ونصرا كبيرا وايذانا بنهاية حقبة دامت أزيد من عشرين سنة من الحكم البوتفليقي للجزائر . ثمة عاملان رئيسيان كانا لهما الاثر في تعجيل استقالة الرئيس ،كما يمكن لذات العاملين ان يلعبا دورا محوريا في تحديد معالم الخارطة السياسية للجزائر الجديدة . أما الاول فتمثل في استمرارية المظاهرات وازدياد منسوب القطاعات المنضوية الى الحراك ، بلغ العدد حسب بعض الاحصاءات غير الرسمية ازيد من مليون متظاهر في العاصمة لوحدها في اخر جمعة ، الجمعة السادسة ال 29 مارس 2019. اما الثاني فتمثل في وقوف المؤسسة العسكرية الى جانب الشعب في السعي نحو تحقيق مطالبه ومرافقة الحراك والتعبير عن ذلك صراحة في بياناته الاربعة الاخيرة ، وقد كان الاجتماع الاخير لقيادة الاركان في الثاني من أفريل الذي تمخض عنه بيان لافت دعي فيه الرئيس وسمى « القوى غير الدستورية « الى التعجيل وفورا بتفعيل المواد102 و7 و8 على هذا النحو دعت قوى الحراك ومختلف النشطاء السياسيين منذ اعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحادي عشر مارس عدوله عن الخامسة الى ضرورة تفعيل المادة 102 على ان تسبقها اجراءات عملية أهمها: ضرورة تشكيل حكومة كفاءات تحظى بموافقة الشعب ،تعديل قانون الانتخابات بمراسيم تنفيذية عاجلة، تشكيل لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات،اقالة رئيس مجلس الامة وتعويضه بشخصية توافقية. أمام تسارع الاحداث وثبات الشعب على مطالبه تلكأت السلطة ولم تتفاعل ايجابيا مع مطالب الحراك والاكثر من ذلك تم الاعلان عن تشكيل حكومة نور الدين بدوي بتاريخ ال 31 مارس ما شكل استفزازا واهانة للشعب الجزائري سيما وانها تضمنت شخصيات غير معروفة سياسيا ولاشعبيا ولا تحوز على ثقة الحراك الشعبي . لكن التطور المهم الذي رافق امتعاض الجزائريين هو مسارعة المؤسسة العسكرية دعوتها عبر بيانها في الثاني من أفريل القوى غير الدستورية « العصابة « الى التخلي عن الالتفاف والمراوغة والتطبيق الفوري للمواد 102 و7 و8. هذه الدعوة الصريحة من المؤسسة العسكرية دفعت بالرئيس بعد ساعات فقط من بيان الجيش الى تقديم استقالته دون الانتظار حتى تاريخ السابع والعشرين من أفريل حيث انتهاء ولايته رسميا. قانونيا يعالج الدستور الجزائري المعدل في السابع مارس 2016 مسألة استقالة الرئيس من خلال المادة 102 من الدستور في فقرتها الرابعة والتي تنص على : « في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة. وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا. يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها انتخابات رئاسيّة .مع مراعاة أحكام المادّة 104من الدّستور التي تنص على : لا يمكن أن تُقال أو تعدّل الحكومة القائمة إبّان حصول المانع لرئيس الجمهوريّة، أو وفاته، أو استقالته، حتّى يَشرَع رئيس الجمهوريّة الجديد في ممارسة مهامه. واسقاطا لمضمون المادة فانه يتعين ان تمارس حكومة نور الدين بدوي مهامها طيلة المرحلة الانتقالية وهي حكومة لاتحوز على موافقة الحراك الشعبي ولا حتى فعاليات قوى التغيير المشكلة لأحزاب المعارضة, وقبل ذلك سيتولى رئيس مجلس الامة عبد القادر بن صالح رئاسة الدولة وهو شخصية موالية للرئيس ومن مؤسسي حزب التجمع الوطني الديمقراطي المشكل للتحالف الرئاسي ، لايحوز أيضا على رضى الشعب ومرفوض جماهيريا ، وبالتالي فان الواجهة السياسية الحالية بدءا من رئاسة الدولة الى حكومة بدوي الى رئيس المجلس الدستوري السيد طيب بلعيز فجميعهم مرفوضون شعبيا . لذا فان المخرج برؤية الكثير من النشطاء السياسيين والقانونيين يتمثل في: مواءمة المواد الدستورية مع المطالب السياسية للحراك بتطبيق روح الاحكام العامة للمادتين 7 و 8 وهذا ماطالبت به أيضا المؤسسة العسكرية التي يقع عليها عاتق المرافقة وتأطير المرحلة . تقر المادتان7 و 8 على ان الشّعب مصدر كلّ سلطة وان السّلطة التّأسيسيّة ملكه. وبذلك يتعين على المؤسسة العسكرية في مرافقتها للحراك تحقيق المطالب الشعبية باعتباره صاحب السلطة والمتمثلة اساسا في _تشكيل حكومة كفاءات وطنية تقودها شخصية من الحراك _ اقالة رئيس مجلس الامة السيد عبد القادر بن صالح وتعويضه بشخصية توافقية وطنية _تعديل قانون الانتخابات _تشكيل لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات . تبدو هذه الاقتراحات أهم ما يستلهمه الحراك من مناقشاته طيلة الاسابيع الاخيرة بغرض الخروج من الازمة وتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي ، لكن تحدي تجسيدها مرهون بوفاء المؤسسة العسكرية بالتزامها الاخلاقي والدستوري انطلاقا مما وعد به قائد الاركان الفريق قايد صالح في بياناته الداعمة والداعية الى ضرورة تحقيق مطالب الشعب الجزائري.