لم يمر افتتاح مؤتمر نداء تونس دون تفجير مفاجأة كبيرة إن لم نقل «قنبلة مدوية» من قبل الرئيس الشرفي للحزب ورئيس الدولة الباجي قايد السبسي. المفاجأة تمثلت في دعوته المؤتمرين المجتمعين في مدينة المنستير، مدينة الزعيم الملهم للباجي ومجمّع التونسيين لدحر الاستعمار الفرنسي إلى رفع التجميد عن يوسف الشاهد.. ماذا تخفي هذه الدعوة؟ ولماذا أطلقها الباجي في ذلك التوقيت بالذات؟ وهل تجد آذانا صاغية لدى الشاهد الذي شق طريقا أخرى منذ شهور أفضت إلى ميلاد ائتلاف برلماني داعم وحزب يدعى حزب الشاهد (تحيا تونس)؟ أسئلة كثيرة تتهاطل من رحم هذه المفاجأة القنبلة التي فجّرها الباجي في مؤتمر النداء وتدور كلها حول الأهداف القريبة والبعيدة التي يروم الرئيس الشرفي للنداء ومؤسسه تحقيقها لأن دعوة من هذا القبيل لا يمكن أن تكون مجانية. ولا يمكن أن تكون عبثية. ولا يمكن لشخص في تجربة وحنكة الباجي أن يطلقها هكذا من باب التسلّي أو مجرد تحريك المياه الراكدة. فالفكرة التي أطلقت في المنستير لم تولد في المنستير. ولم تكن وليدة اللحظة ولم تأت استلهاما من الظرف. بل إنها جاءت نتيجة قراءة معمّقة ومتأنيّة لواقع حزب النداء وما آل إليه من ترهل وتشظ أفضى إلى مغادرة الكثير من القياديين المؤسسين والرموز وإلى هجرة جحافل من الندائيين اما رفضا للتجاذبات التي تشق الحزب واما رفضا لحالة الهزال التي ضربته وإما احتجاجا على تواصل إمساك نجل الرئيس بمقاليد الحزب ورفضه ورفض الوالد المؤسس اتخاذ الخطوات ورتق الشقوق التي ضربت الحزب والتي دفعت بشق كبير من أبنائه إلى الالتفاف حول رئيس الحكومة الذي اتجه لتكوين كتلة برلمانية وحزب سياسي يعوّل عليهما في خوض غمار المحطات الانتخابية القادمة... كل هذه المعطيات والحقائق الضاغطة على واقع ندائي مترجرج كان يقرؤها الرئيس المؤسس الباجي قايد السبسي ويسعى للتفاعل معها على طريقته. وطريقة الباجي لم تتأخر وكانت في الأسابيع الأخيرة تطبخ على نار هادئة... وذلك تماهيا على ما يبدو مع أسلوب الباجي في التعاطي مع الأحداث ومع شخصية الزعيم التي يستبطنها وتدفعه دفعا إلى التشبه بالزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان دوما رقما صعبا فوق كل الأرقام وزعيما لا ينافسه أحد في زعامته. وهي الطريقة التي تجعل القرار المهم مهما كانت طبيعته يبدو وكأنه قرار ذاتي وفي مناخ خال من أية ضغوط أو أية محاولات للابتزاز أو لي الذراع... وهذا القرار المهم في الاستدارة 180 درجة باتجاه رئيس حكومته الندائي المجمّد بقرار أو بضغط من نجله طبخه الباجي منذ أيام إن لم نقل منذ أسابيع. وقد مهّد له في المداخلة التي قدمها ارتجالا يوم عيد الاستقلال والتي أطلق فيها فكرة السعي لإعادة يوسف الشاهد إلى صفوف النداء حين قال ما بدا وقتها انه من باب الدعابة «لو كان يرجعلنا الشاهد موش شاهد العقل» في إشارة إلى أمله في عودة رئيس حكومته إلى صفوف الحزب مع ما يمكن أن تشكله هذه العودة من قوة للنداء ومن دعم لحظوظه في منافسة النهضة في الانتخابات القادمة. لذلك فإن الفكرة التي أطلقت يوم عيد الاستقلال تكون قد أخذت مداها في الأيام التي سبقت انعقاد مؤتمر النداء كما تكون قد شهدت تواصلا ودراسة وتمحيصا من قبل الجانبين: الجانب الذي أطلق الدعوة (الرئيس الباجي) والجانب الذي تلقاها (رئيس الحكومة يوسف الشاهد). فهل إن تعمد الباجي اطلاقها رسميا من خلال دعوة المؤتمرين إلى رفع التجميد عن يوسف الشاهد يعد تتويجا للاتصالات وربما للتوافقات التي أعقبت اطلاق الفكرة يوم عيد الاستقلال؟ سؤال جوهري يفتح الباب أمام سيل جديد من التساؤلات لعل أهمها: ما هو موقف نجله حافظ من مثل هذه الدعوة؟ كيف سيستقبلها هو وأتباعه الذين يصرون على أن النداء بخير وعلى أنه مازال يملك حظوظا في الانتخابات القادمة؟ كيف سيتفاعل المؤتمرون مع دعوة الرئيس المؤسس؟ أسئلة تلد أسئلة أخرى على علاقة ب«المستفيد» (نظريا) من رفع تجميد رئيس الحكومة يوسف الشاهد: كيف سيتفاعل مع دعوة الشاهد؟ هل كان الرئيس ليغامر بإطلاق دعوته لو أنه لم يتلق أي ضوء أخضر من رئيس حكومته؟ ما هو الموقع الذي سيحتله الشاهد في النداء لو رفع عنه التجميد ولو أعاده المؤتمر إلى موقع قيادي؟ ما مصير «تحيا تونس» الذي يكنى ب«حزب الشاهد» مع أنه لا يتولى فيه أي موقع قيادي؟ كيف سيتصرف المنضوون تحت هذا الحزب من نواب وقياديين وقواعد بعد أن هجروا النداء وشقوا طريقتهم نحو تشكيل حزب جديد باتت عمليات سبر الآراء تعطيه مراتب متقدمة وتحديدا المرتبة الأولى له كحزب ولزعيمه الروحي يوسف الشاهد؟ أسئلة حائرة قد تجد إجابات شافية لها مع نهاية مؤتمر النداء وظهور المخرجات التي ستفضي إليها أشغاله.. وهي مخرجات ستحدد مصير النداء وهل يمكن أن يعود ذلك الحزب الكبير الذي هزم النهضة وأزاح الترويكا من الحكم مستفيدا من التفاف شرائح كبيرة من التونسيين والتونسيات وهل توجد أرضية حقيقية تملك من الصلابة ما يجعل عودة الوئام إلى رأس النداء التاريخي (نداء تونس مع حزب تحيا تونس) وإلى القواعد المتراكمة في الضفتين... هي اجمالا أسئلة سوف تفكّ شفرتها في مدى الساعات والأيام القليلة القادمة... ومعها سوف تظهر خفايا وواقع «قنبلة» الباجي ومدى تجاوب يوسف الشاهد الندائي (المجمد) ورئيس الحكومة الذي أمضى شوطا في صناعة قارب يعبر به أمواج ساحة سياسية متلاطمة بين نداء يتربص ونهضة تبتز وتنتظر وأحزاب وتحالفات أخرى تصعد... وموعد انتخابي يطل برأسه ويضغط..