في الأسابيع الأخيرة نشطت عصابات احتكار السّلع والمنتوجات والمُضاربة بالأسعار كما لم تنشط من قبل، وتحركت بقوة «مافيات» تهريب المواد الغذائية الحساسة، فسادت الفوضى داخل منظومة السّوق بعد أن اختل العرض وارتفعت الأسعار. وقد جاء تحرك السلطات في الأيام الاخيرة ليخفّف من حدّة الانفلات بعد مداهمة مخازن عشوائية ومخازن أخرى قانونية لكنها مخالفة وبعد اعطاء تعليمات للولاة ولجهاز المراقبة الاقتصادية لتطبيق القانون في الفترة القادمة.. غير ان ذلك سيبقى غير كاف ما لم يكن متبوعا باجراءات جذرية تقطع مع الظاهرة نهائيا في المستقبل. فعدد الناشطين في مجال التخزين والاحتكار والمضاربة بالأسعار في ارتفاع، وحيلهم للإفلات من الرقابة ومن العقاب تتغير من يوم إلى آخر، وتغوّلهم في التلاعب بقوت المواطن فاق كل الحدود. من حق المُنتجين أن يرفعوا بنسب معقولة أسعار بيع منتوجاتهم سواء الفلاحية او المصنعة، بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج في السنوات الاخيرة، ومن حق تجار الجملة والتفصيل الترفيع بنسب معقولة في هوامش أرباحهم للأسباب نفسها. لكن ليس من حق أي طرف آخر «غريب» أن يتدخل بطريقة عشوائية في منظومة السوق ليشتري من المنتجين بأثمان عادية ويُخزّن المنتوجات ويحتكرها ثم يُعيد ترويجها في السوق بأسعار مُضاعفة أو ليُهرب مواد حساسة أو ليُحوّل وجهة مواد مدعومة نحو استعمالات أخرى. فمنظومة السوق الطبيعية والعادية لا تتحمل سوى 4 أطراف وهم المنتج وتاجر الجملة وتاجر التفصيل ثم المستهلك. وبالتالي فقد آن الأوان اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن تتحرك الدولة تجاه «الغُرباء» عن منظومة السوق الذين يدخلون على الخط لارتكاب جرائم فظيعة تهدد حق المواطن في الغذاء. ان تونس تُعدّ من الدول القادرة على تحقيق الاكتفاء الغذائي في أغلب المنتوجات. فالقطاع الفلاحي، رغم صعوباته، مازال متماسكا وقادرا على توفير عرض وفير من مختلف المنتوجات على مدار العام. ومصانع الأغذية، رغم ارتفاع تكاليف الانتاج، قادرة بدورها على توفير كل ما يحتاجه 12 مليون تونسي من مواد مُعلبة ومُصنّعة. ومسالك التوزيع القانونية قادرة على استيعاب كل المنتوجات بطريقة واضحة وشفافة وعلى إيصالها إلى المستهلك النهائي بأثمان معقولة دون تدخل أي طرف أجنبي. غير أن ذلك يستدعي «ثورة» قانونية وهيكلية في منظومة السوق تقطع مع السائد حاليا وتُحدّد بوضوح وصرامة مسالك التوزيع بين المنتج وتاجر الجملة وتاجر التفصيل والمستهلك. ولا يكون ذلك ممكنا إلا عبر إعادة صياغة القوانين المُنظمة لمسالك التوزيع بشكل يُجرّم بقوة وبصرامة ظاهرة التخزين من اجل الاحتكار والسمسرة والمضاربة وظاهرة تهريب المواد الغذائية الحساسة والمدعمة، ويضرب بقوة على أيادي هؤلاء من خلال عقوبات صارمة لا تترك أي مجال للتلاعب بقوت المواطن.