حزب آفاق تونس يدعو خصوم النهضة إلى توقيع اتفاق سياسي أخلاقي حول عدم التحالف معها. هذا الحزب كان حليفا للحركة ومناصرا لها ومدافعا عنها شأنه شأن العديد من الأحزاب الفاعلة فلماذا لا يكون لها موقف ثابت منها؟. تونس «الشروق»: توقيع اتفاق سياسي يكون بمثابة التزام أخلاقي أمام التونسيين، هذا فحوى الدعوة التي توجه بها مؤخرا حزب آفاق تونس للأحزاب التي أعلنت أنها لن تتحالف مع حركة النهضة. من حيث المبدأ تبدو الدعوة معقولة من حزب ينافس النهضة ويخاصمها نحو أحزاب تشترك معه في الموقف ذاته. ومن حيث الاستثناء لا تبدو الدعوة معقولة من حزب كان في ما مضى حليفا للنهضة ومدافعا عنها بشراسة. لكن من حيث استثناء الاستثناء الذي يعيدنا إلى المبدأ تصبح الدعوة معقولة لأن لنا في تونس أحزابا لا تعترف بالموقف الثابت والمبدئي بل إن ما تقرره صباحا تخالفه مساء ومن المعقول إذن مطالبتها بالتزام أخلاقي يمنعها من التحالف مستقبلا مع من تعاديه حاليا. هي ظاهرة تضم العديد من الأحزاب الفاعلة نذكر منها آفاق تونس ونداء تونس وتحيا تونس وحركة المشروع والوطني الحر… «صفحة جديدة» «لا تحالف مع النهضة"، هو شعار يرفعه حاليا "آفاق تونس"، لكن علينا أن نذكّر بأن هذا الحزب اشترط أوائل سنة 2015 إشراك الحركة في حكومة الصيد مقابل قبوله بالمشاركة، ووصل الحد بنائبه علي بنور خلال حضوره مؤتمرا جهويا للنهضة بالمنستير يوم 15 مارس 2016 إلى القول إن "تونس محتاجة لكل احزابها وحضوري للمؤتمر لأنكم (مخاطبا أبناء النهضة) تؤمنون ان تونس تسع الجميع». الموقف ذاته تكرر مع حركة مشروع تونس فقد شاع أن رئيسها الحالي محسن مرزوق قد دافع بضراوة عن إشراك النهضة في حكومة حزبه السابق نداء تونس ثم انقلب عليها وأسس حركته لإحياء مشروع النداء المخالف لمشروعها ثم عاد ليتقرب منها بطريقة جعلت رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني، يوضح يوم 24 أكتوبر الماضي أن "مرزوق هو من بادر باللقاء، والنهضة رحبت بالفكرة"، وأن "الصراع الإيديولوجي بين الحركتين انتهى"، و"أن الطرفين أجمعا على فتح صفحة جديدة". لكن مرزوق قال بعد حوالي شهر خلال اجتماع شعبي بالعاصمة إنّه "لا يوجد تحالف مع حركة النهضة" وإنه يعتبرها "منافسا سياسيا". رغم تشاركهما في الحكومة. «شريك وطني» الاتحاد الوطني الحر هو أيضا من المصابين بالعدوى، فهذا الحزب الذي يناهض النهضة حاليا كثيرا ما دافع عن توسطه لاجتماع الشيخين الباجي والغنوشي في باريس وقد تصدى لمن عاب إشراك الحركة في حكومة الصيد سنة 2015، بل إنه اعتبر في بيان كان أصدره يوم 25 نوفمبر 2017، انّ ما كان يتداول إذاك بخصوص ''ورود اسم حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي على لائحة المورّطين والراعين للإرهاب دون تثبت، يعدّ من المزايدات السياسية والعبثية"، لاسيما وأن النهضة ''شريك وطني بمرجعية وطنية مدنية أثبت (...) سلميته وتمسّكه بمبدأ التعايش والحوار والعمل المشترك…". علينا أن ننتظر قرابة السنة لنجد أمين عام الحزب سابقا سليم الرياحي يندمج في حزب النداء قصد "التصدي لحركة النهضة"، ويطالب رئيس الجمهورية خلال ندوة صحفية لإعلان الاندماج ب"تجميع العائلة الوسطية لتشكيل حزب قوي يأخذ السلطة في المرحلة القادمة دون الشراكة مع أي أحد" (قاصدا النهضة تحديدا). على العلاقة بهذه الحركة تبدو أكثر تعقيدا مع النداء تونس وحركة تحيا تونس: التقاء المصالح بدأت العلاقة بين النداء والنهضة عدائية، وتحولت فجأة إلى توافق مهد الطريق للتشارك في الحكم وعاشت العلاقة هزات كانت أبرزها بعد تقدم النهضة في الانتخابات البلدية وإعلان النداء عدم التحالف مستقبلا مع حليفة الأمس قبل أن يقطع مؤسس النداء الباجي قايد السبسي علاقة التوافق من جانب واحد. هذا القرار لم يرض الندائيين كلهم والدليل أن الخماسي هلل يوم 4 مارس الماضي وكاد يطير فرحا للقاء الذي جمع إذاك الغنوشي بحافظ لكن اللائحة السياسية التي صادق عليها الندائيون في مؤتمرهم الأخير (قبل انقسامهم) تضمنت فقرة تفرض عدم التحالف مُجددا مع الأحزاب ذات المرجعية الدينية (في إشارة إلى النهضة). في المقابل تبدو تحيا تونس حليفا للنهضة التي منعت حكومة زعيمها المفترض من الإقالة، وفيما أشار الغنوشي إلى إمكانية ترشيح الشاهد للرئاسية، لا نجد تجاوبا كبيرا من أبناء تحيا تونس فمنهم من يرى أن تحالفهم الحالي أملته الضرورة والتقاء المصالح في الاستقرار السياسي ومنهم من يتوعد النهضة بإخراجها من الحكم عبر توفير الأغلبية المطلقة ولكن ما سر هذا التضارب في الموقف من النهضة؟. حسب الظروف النهضة هي الحزب الأقوى حاليا ولم تتخل عن ريادتها إلا لفترة قصيرة ولهذا من صالح الأحزاب الوسطية والتقدمية أن تظهر عداءها لها حتى تستقطب أكبر عدد من الناخبين الوسطيين والتقدميين لاسيما وأن نداء تونس كسب سابقا هذا الرهان بتعويله على منافسة "مشروع النهضة". هذه النزعة العدائية لا تظهر إلا في المناسبات الانتخابية ما يعني أن غاية معاداة النهضة هي غاية انتخابية بالأساس. بعيدا عن الانتخابات وحملاتها، تجد العديد من الأحزاب مصلحة في التقرب من النهضة فكان النداء أول من توافق معها بحثا عن الاستقرار في الحكم وقبل بها آفاق تونس والوطني الحر حتى يضمنا المشاركة في حكومة قوية وعادت حركة مشروع تونس إلى مشاركتها حتى تعود إلى الحكم كما ارتمت في أحضانها حركة تحيا تونس حتى تضمن بقاء حكومة الشاهد. هناك مصلحة حزبية من التحالف مع النهضة وهناك مصلحة انتخابية من معاداتها، الفرق بين المصلحتين لا يتعدى الإطار الزماني والظرف السياسي. مواقف مبدئية على عكس أغلبية الأحزاب العاجزة عن حسم موقفها من النهضة، هناك بعض الأحزاب التي تحافظ على مواقف مبدئية منها. فمن ضمن خصوم الحركة لم تغير الجبهة الشعبية ولا الحزب الدستوري الحر موقفهما الثابت من معاداة النهضة ورفض أي تقارب معها أو مشاركتها الحكم رغم الإغراءات. كما نجد لحزب البديل التونسي موقفا شبه محسوم في رفض التحالف معها. في المقابل هناك حزب يكاد يحدث الاستثناء بالمحافظة على موقف إيجابي ثابت تجاه النهضة يرفض إقصاءها ويقبل الشراكة معها دون معاداتها وهو المبادرة الدستورية. موقف هذا الحزب لم يتغير سواء أكان شريكا فعليا للنهضة في الحكم أو دون ذلك.