عندما تتابع ما يسمى بالأعمال الكوميدية، على القنوات التلفزية التونسية في رمضان، تتداخل بذهنك الأسئلة، هل المشكل فيك أم في الأعمال؟ هل «الضمار» تطور إلى حد جعلك متأخرا عن الضمار العصري الذي تشاهد أثناء الإفطار وبعده في رمضان؟ هل أن الطرائف الموجودة لدى التونسيين والتعليقات الضامرة على الأحداث في «الفيسبوك» هي لتونسيين أم لا؟ ... في الواقع الأسئلة قد لا تجد لها أجوبة وقد تجعلك في موضع شك، لأن الزمن فعلا يتطور، وما يضحكك بالأمس، ليس بالضرورة يضحكك اليوم، بيد أنك يجب أن تكون على ثقة بأن ما يكتب من سيناريوهات كوميدية اليوم، وشاهدته في القنوات التلفزية التونسية على اختلافها، وبلا استثناء، كلها تافهة، وركيكة و«ماسطة لاسطة»، والعيب ليس فيك... فالكتابة للكوميديا ليست بالأمر الهين، وليست بإمكان من هب ودب، وثمة أعمال مما شاهدت، مجنون من يصدق أنها كتبت أصلا، لأن كل المواقف (وليست بكوميديا المواقف، حتى لا نفهم على وجه الخطإ) الساخرة تبدو ارتجالية من ممثلين استنفدوا ما لديهم مما يسمى «طرف الضمار»، وأصبحوا يكررون أنفسهم فلا تفرق بين «سكاتش» يمثلونه في برنامج تلفزي، وبين تمثيلهم في سيت كوم أو سلسلة من المفترض أنها مكتوبة ومحبوكة الكتابة... إنك في عصر «كعور وأعطي للأعور»، وعصر «حك راسك تصبح كاتبا، أو ممثلا أو مخرجا، أو أي شيء في أي شيء»... لا تتوتر كثيرا فالعيب ليس فيك، بل في من يحاول الضحك على الذقون إما تقليدا أو تهريجا أو سرقة أفكار الغير وتشويهها... إنه الابتذال الناجم عن الاستسهال، والشح المادي، والفقر الأخلاقي والمعرفي... ضمار اليوم أصبح فيه الحمار ممثلا في سلسلة هزلية وأصبحت البقرة تكنى باسم علم وأصبحت مصطلحات الشارع فيه بهرات فنية يستعملها كتاب الكوميديا الحديثة لإضحاكك، فإذا بك تجد نفسك مجبرا على تغيير القناة ليلفحك برود كوميدي أبرد من الثلج نفسه، فتخير عندئذ مباراة كرة قدم بضجيجها وصياح معلقها وتشويقها، على كوميديا لا معنى لها سوى أنها «كوم» من تفاهة «الميديا».. هكذا أنت أمام إنتاج سمعي بصري جديد اسمه «كووم.. ميديا».