إلى حدّ سنة 50/م670ه، تاريخ تأسيس مدينة القيروان، بل ربّما إلى حدّ بداية سنة 76م/695ه، لم يُغامر المسلمون بمحاولة إخضاع شمال إفريقيّة وبصفة أدقّ قرطاجنّة ومعها مدينة تونس. بل يظهر أنّهم لم يتوصّلوا إلى إخضاع مدينة قرطاجنّة وتونس إلّا خلال حملة حسّان بن النّعمان الغسّاني، في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (6686/685705)، بما أنّ جل المصادر تنسب ذلك إليه. لكن دون تحديدٍ لذلك بتاريخ معيّن. وغياب هذا التّاريخ ناتج عن ظاهرة عبّر عنها ابن عذاري بما يلي: «وغزوات حسّان لم تنضبط بتاريخ محقّق ولا فتحه لمدينة قرطاجنّة ولا قتله للكاهنة». بل حتّى تاريخ توليّة حسّان على إفريقيّة فيه اختلاف... تاريخ توليّة حسّان بن النّعمان هامّ جدّا لمعرفة تاريخ فتح مدينة تونس، إذ أنّ حسّان فَوْر وصوله إلى إفريقيّة، سأل عن أقوى ملك، فقيل له صاحب قرطاجنّة، فرحل إليه. أي أنّ فتح تونس، تمّ فيما يبدو في نفس السّنة الّتي ولي فيها حسّان بن النّعمان إفريقيّة. ثمّ في تحرّكه إلى قرطاجنّة، مرّ حسّان بالضّرورة بمدينة تونس، فقام بفتحها، واتّخذها نقطة انطلاق لفتح قرطاجنّة. ولم يتمّ فتح هذه المدينة إلّا بعد محاولات متعدّدة. واعتمادا على الوثائق البيزنطيّة، هاجم حسّان قرطاجنّة لأوّل مرّة حوالي سنة 695م. وإذا افترضنا أنّ محاولات فتح قرطاجنّة دامت بعض الأشهر، فإنّنا نستطيع القول إنّ فتح مدينة تونس تمّ سنة 76/695، وهو التّاريخ الّذي قدّمه هشام جعيّط لتوليّة حسّان بن النّعمان على إفريقيّة. لكنّ البيزنطيين ما لبثوا أن كرّوا على المسلمين ، كما أنّ البربر بقيادة الكاهنة ألحقوا بالمسلمين هزائم بجنوب نوميديا، وهي تطوّرات جعلت حسّان بن النّعمان يتراجع نحو برقة الّتي بقي بها ثلاث سنوات يترقّب المدد من الخليفة. ثمّ حمل ذلك القائد انطلاقا من هذه المدينة على إفريقيّة مسترجعا القيروان، وملاحقا الكاهنة بجبال الأوراس. وبعد قتلها، عاد إلى القيروان، ثمّ «رحل يريد قرطاجنّة»، حوالي سنة 80/699، ونزل «بموضع دار الصّناعة» (صناعة السّفن) الّذي يوجد بمدينة تونس. وهي المناسبة الّتي تمّ فيها استرجاع مدينة تونس بصفة نهائيّة. وعندما نعود إلى أحداث الفتح، نلاحظ أنّ فتح تونس تمّ بسهولة وبدون مقاومة. ومنها تمّ فتح قرطاجنّة حيث لاقى المسلمون مقاومة شديدة جدّا. أمّا البكري، فقد تحدّث عن صلح تمّ بين أهل تونس «الرّوم» وحسّان، إذ إثر مقاتلته لهم، «بفحص تونس»، وافقهم على عدم دخول مدينتهم بالقوّة، مقابل دفعهم للخراج وتوفير المؤونة. «وهي خديعة استعملها الرّوم للفرار ليلا». فكان ردُّ فعل حسّان أن خرّب مدينتهم، وركّز مجموعة من الجّنود المسلمين بمدينة تونس قصد حمايتها، ثمّ قرّر بناء دار الصّناعة (لصناعة السّفن). يتبع