خمسون بالمائة من المؤسسات الخاصة معرضة للاندثار بحلول سنة 2020. ولهذا الوضع أكثر من سبب ذاتي وموضوعي ومع ذلك، لا تتحرك الحكومة بالشكل الكافي لإنقاذ هذا الكيان المهم اقتصاديا واجتماعيا... تونس الشروق/ أول من دق ناقوس الخطر هذا هو رئيس الجمعية التونسية للمستثمرين في رأس المال، محمد صالح فراد، الذي كشف خلال ندوة عقدتها الجمعية مؤخرا أن 10 آلاف مؤسسة صغرى ومتوسطة تعيش أوضاعا مالية صعبة من جملة 20 ألف مؤسسة تشكل هذا الكيان الاقتصادي الهام. وأضاف فراد أن 5 آلاف من هذه المؤسسات لا تصرح بوضعيتها المالية الحقيقية محذرا من أنه في صورة تواصل هذا الوضع فإن 10 آلاف مؤسسة قد تضع حدا لنشاطها بحلول سنة 2020 وما يعنيه ذلك من فقدان الاف مواطن الشغل. واذا ما عرفنا حجم الاستثمارات في هذا القطاع وهو ما يمثل 207 مليارات دينار أي 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام فإننا سنقف حتما عند حجم الكارثة التي يتوقعها الخبير بما أن 96 بالمائة من النسيج المؤسساتي في تونس مهدد بالاندثار. ورغم أن الأمر عدد 51 لسنة 2015 المؤرّخ في 13 جانفي 2015 والمتعلق بضبط قواعد التنظيم والتسيير وكيفيّة تدخل صندوق دعم المؤسّسات الصغرى والمتوسطة قد تم إصداره لإنقاذ هذه المؤسسات الا أن تفعيله شكل في حد ذاته ازمة أخرى باعتبار رفض العديد من المؤسسات البنكية والمقرضة العمل به. وجاء في هذا الامر ان تدخلات صندوق دعم المؤسّسات الصغرى والمتوسطة تشمل دراسات التشخيص المالي والاقتصادي وعمليات المرافقة لدى المؤسسات المالية ومتابعة تنفيذ برامج إعادة الهيكلة المالية المنجزة في إطار الانتفاع بتدخلات الصندوق وإعادة هيكلة رأس مال المؤسسات المنتفعة وتدعيم أموالها الذاتية وإعادة تمويل قروض إعادة الجدولة المسندة من قبل بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة والمحددة في إطار دراسة التشخيص المالي والاقتصادي وإسناد قروض لتمويل إنجاز الاستثمارات في إطار برنامج إعادة الهيكلة المالية وضمان التمويلات المسندة في إطار برنامج إعادة الهيكلة المالية. أزمات بالجملة... دفعت الأوضاع الصعبة التي تعيشها المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس بالمنظمات المعنية الى إجراء دراسات للوقوف عند أسباب الازمة. وآخر هذه الدراسات تلك التي أعدتها كنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية (كونكت) بالتعاون مع مكتب دراسات مختص. وخلصت هذه الدراسة الى العديد من النتائج المهمة منها أن 30 بالمائة من الشركات المستجوبة لم تحقق أرباحا صافية خلال سنتي 2016 و2017. كما كشفت هذه الدراسة أن العديد من العوائق تقف حائلا دون تطور هذه المؤسسات. إذ أن أهم عائق يهدد هذه الشركات يتمثل في الإدارة الجبائية (27 بالمائة) ثم الديوانة فالتصاريح الإدارية إضافة الى أن 60 بالمائة من هذه الشركات مهددة بالمنافسة غير الشريفة في حين أن 45 بالمائة من المؤسسات أقرت بأنها تأثرت بالأوضاع في ليبيا إضافة الى ذلك أقرت 65 بالمائة من هذه المؤسسات أنها لم تخلق منتوجا جديدا. كما لا تربح 35 بالمائة من هذه الشركات حرفاء جددا خلال سنة 2017. وفي علاقة بالتمويل، أبرزت الدراسة أن نحو 39 بالمائة من أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة المستجوبين أودعوا مطالب للحصول على قروض بنكية في خلال سنة 2018. وكشف 5ر33 بالمائة منهم أنهم يمضون أكثر من ساعة كل أسبوع مع ممثلي البنوك لإقناعهم بجدية مطالبهم. وكنتيجة حتمية لهذا الوضع فإن تونس شهدت خلال العشرية الأخيرة غلق ما يناهز 4319 مؤسسة وخسارة 250 ألف موطن شغل بمعدل غلق 400 مؤسسة في السنة وخسارة 25 ألف موطن شغل سنويا حسب إحصائيات وكالة النهوض بالصناعة والتجديد. ومن المفارقات أن منصب الرئيس المدير العام لبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بقي شاغرا مرتين مدة تجاوزت الثلاثة اشهر خلال سنتي 2016 و2017 مما تسبب في تعطيل عمل اللجان المكلفة بإسناد القروض الى المؤسسات التي تشكو من صعوبات مالية. غلق بالجملة... على عشرين ألف مؤسسة اقتصادية ناشطة في تونس، اضطرت الى حد اليوم أكثر من 4000 مؤسسة الى وضع حد لنشاطها أو الانتصاب خارج الحدود وتحديدا في المغرب والجزائر. ومن أهم القطاعات التي تأثرت بفعل الازمة قطاع النسيج والملابس والجلود والأحذية فخلال السنوات الخمس الأخيرة أغلقت ما لا يقل عن 300 مؤسسة أبوابها وتسريح حوالي 40 ألف عامل بسبب الأزمة الهيكلية التي يشهدها القطاع منذ أكثر من 10 سنوات وفق تصريح الكاتب العام للجامعة العامة للنسيج والملابس والجلود والأحذية الحبيب الحزامي. ويعد قطاع النسيج قطاعا استراتيجيا. إذ تمثل نسبة المؤسسات الناشطة في قطاع المنسوجات المصدرة كليا إلى الأسواق الخارجية 85 بالمئة. فيما تروج 15 بالمئة من المؤسسات إنتاجها في الأسواق المحلية وتقول أرقام وزارة الصناعة إن معدل نسبة حجم عائدات صادرات تونس من المنسوجات يقدر بنحو 25 بالمئة من مجموع عائدات صادراتها. إذ تصل عائدات صادرات القطاع إلى 5500 مليون دينار سنويا. ويعد كذلك من أكبر القطاعات المشغلة بتوفيره أكثر من 180 ألف موطن شغل، منها 91 ألف موطن بالمؤسسات المصدرة كليا. وهو ما يعادل تقريبا 35 %من العدد الجملي لمواطن الشغل التي توفرها مختلف المؤسسات الصناعية . وتفيد المعطيات بأن صادرات تونس من الملابس تراجعت في السنوات الأخيرة بنسبة 28 بالمائة مقارنة بعام 2010. اذ انخفضت واردات المواد الأولية إلى 17 بالمائة مما أدى إلى انحسار مساهمة القطاع في الميزان التجاري إلى 4.12 بالمائة.و تحمل الاطراف الفاعلة في القطاع الحكومة مسؤولية المخاطر الجسيمة التي يعرفها القطاع باعتبار أنها فتحت أبواب التوريد على مصراعيه دون قيد أو شرط مما انجر عنه ارتفاع الواردات من الملابس الجاهزة الى نحو 70 بالمائة خلال السنوات الأخيرة. بطالة بالجملة أدى غلق المؤسسات في تونس خلال السنوات الثماني الماضية الى تسريح أكثر من 40 الف عامل. إذ بلغت نسبة البطالة 15.5 بالمائة خلال الثلاثي الرابع من سنة 2018. وكشفت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الرابع من السنة الماضية عن أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 644.9 ألفا من مجموع السكان النشيطين. وبلغ عدد السكان النشيطين بتونس في الثلاثي الرابع من السنة الفارطة 4 ملايين و152 ألفا و500 نشيط. وكان بلحسن جراد، رئيس الغرفة الوطنية للنسيج، قد كشف ان 10 آلاف عامل قد يفقدون وظائفهم تباعا اذا ما تواصل انهيار المؤسسات المصدرة. في حين قد يبلغ هذا الرقم 20 الفا بالنسبة للشركات الموجه انتاجها الى السوق المحلية بسبب ضعف الاقبال على المنتوج المحلي. وليس قطاع النسيج وحده المهدد بالانهيار اذ ان الصناعة التونسية -ان كانت هناك فعلا صناعة تونسية - مهددة في وجودها. ومن الحيف القول بان سبب هذا الانهيار يعود فقط الى الازمة الاقتصادية الحالية. ففي تحليل له نشر في موقع ليدرز يعيد السفير السابق والمحلل، مصطفى بن احمد، تلك الأسباب الى «تعثر تجربة التصنيع في تونس، التي تعد في تقديري من أهم أسباب فشل ما يسمّى بالمنوال التنموي التونسي القائم منذ مطلع السبعينات، والذي تم اعتماده أعقاب التخلي عن استراتيجية الآفاق العشرية للتنمية القائمة على بناء اقتصاد انتاجي يرتكز على إزالة الاستعمار الاقتصادي وإقامة صناعات وطنية مُوجهة لتثمين الثروات المحلية وتعويض الواردات بمنتجات صناعية تونسية وتحديث الفلاحة وتحقيق الإندماج والتكامل بين مختلف قطاعات الاقتصاد الحيوية». لكنه للأسف تم القطع المبكّر جدا مع هذا الخيار واستبداله بسياسة الانفتاح التجاري من خلال اتفاق التبادل الحر المبرم مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية لسنة 1969 وسياسة إعطاء الأولوية لاستقطاب الاستثمارات الصناعية الأجنبية من خلال قانون 1972، الذي حوّل تونس إلى مجرد ورشة صناعية لصالح الصناعات الأوروبية الوافدة إلى تونس في إطار منظومة المناولة لتقليص كلفتها وخدمة طاقاتها التنافسية في الأسواق الدولية. أما الصناعات التونسية الناشئة الموجهة أساسا لتلبية حاجيات السوق الداخلية فقد عجزت عن تطوير نسبة إدماجها بسبب تبعيتها المفرطة للتكنولوجيات ولوسائل الإنتاج وحتى المواد الأولية الأجنبية، مما جعلها عاجزة عن مواكبة حركة التصنيع الحقيقي في العالم المستندة إلى الثورتين الصناعيتين الثانية والثالثة، ثم ثورة الاقتصاد الرقمي المعروفة بالثورة الرابعة التي غيرت مفهوم ومستقبل التصنيع في العالم. ومن النتائج المأساوية لهذه السياسات الخاطئة فقدان تونس لنسبة هامة من طاقاتها العلمية والبحثية والإبداعية التي لا تجد مجالا للتوظيف والعمل بتونس في ميادين اختصاصها». عبد الجليل البدوي منوال تنموي جديد في دراسة أصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية تحت عنوان "أي برنامج إنقاذ عاجلا وأي بديل تنموي آجلا»، تطرق الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي الى الحلول التي يمكن تبنيها لإنقاذ الاقتصاد الوطني. وجاء في هذه الدراسة انّ « البحث عن بديل تنموي جديد أصبح من بين إحدى المهام الاستراتيجية الملقاة على عاتق المجتمع المدني فالمجتمع المدني برهن عن قدرته على التأثير في مسار الانتقال الديمقراطي على الصعيد السياسي فهو مطالب اليوم بتحقيق هذا الانتقال على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي". وأوضح البدوي أنّ "اعتماد بديل تنموي سيكون محل صراع عنيف، والتمادي في مواصلة العمل بنفس منوال التنمية يعكس في حقيقة الأمر الضغوطات الخارجية الدافعة نحو اعتماد نفس المبادئ ونفس الاختيارات النيوليبرالية، كما يعكس تأثير اللوبيات المحلية المعارضة لكل الإصلاحات التي من شأنها أن تمس من مصالحها الذاتية والفئوية". وعما اذا كانت الحكومة الحالية قادرة على وضع أسا س متين لاقتصاد قوي» يرى الخبير الاقتصادي « أن غياب مشروع حقيقي لبديل تنموي يعكس في آخر المطاف طبيعة الائتلاف الحاكم الحالي الذي لا يرى ضرورة للبحث عن بديل بل يعتبر أن كل ما في الأمر هو القيام ببعض الإصلاحات طبقا لتوصيات المؤسسات العالمية والإقليمية والاكتفاء بتنظيم حوارات وطنية حولها لإعطائها صبغة توافقية، ولو صوريا». وفي علاقة بطبيعة هذا المنوال التنموي الجديد، يموقع البدوي الاجير كحجر أساس ضمن هذه المعادلة مؤكدا على ضرورة « تجاوز مبدإ المرونة القائم على اعتبار الأجير مجرّد عنصر إنتاج يقع استعماله والتخلّي عنه حسب ظروف المؤسسة والاقتصاد المحلي والعالمي في إطار استعمال التشغيل والأجور كمتغيرات تعديلية للدورة الاقتصادية اذ ان هذا التجاوز يمكن إنجازه عبر إقامة منظومة تأجير وتكوين وحماية اجتماعية متكاملة تضمن اعتبار الأجراء موارد بشرية وقوة عمل يجب حمايتها وتطويرها طبقا للمقتضيات الاقتصادية الظرفية والمستقبلية مع مراعاة التوازن بين مصالح كل الأطراف المساهمة في تطوير المؤسسات والاقتصاد».