تتصاعد حدّة التوتّر في منطقة الخليج والشرق الأوسط وتتلبّد سماء المنطقة بسحب داكنة تحمل معها نذر حرب طاحنة قد تندلع بين أمريكاوإيران بالخصوص على خلفية جملة من الملفات والصراعات الإقليمية التي تضع الطرفين على سكة مواجهة تبدو حتمية. فهل ستسير المنطقة إلى حرب فعلية أم أنها سياسة الدفع إلى حافة الهاوية الأمريكية التي تعتمد التصعيد والتلويح بالقوة دون استخدامها من أجل تحقيق أهداف أو تحصيل مكتسبات؟ على الميدان بلغ التصعيد أوجه، تصعيد وصل بالولايات المتحدةالأمريكية حد حشد جيش جرار قوامه 120 ألف جندي وترسانة حربية ضخمة من حاملات الطائرات والقاذفات الاستراتيجية والمستشفيات العائمة... وهو تصعيد تقابله إيران بالتلويح بإغلاق الملاحة في مضيق هرمز الحيوي لنقل النفط ولحركة التجارة الدولية... وكذلك بالإيعاز لحلفائها الحوثيين باستهداف منشآت حيوية للنفط السعودي بطائرات مسيّرة علاوة على اتهامها بالضلوع في التفجيرات التي طالت منشآت نفطية بإمارة الفجيرة الإماراتية.. كل هذا مع التذكير بأن التصعيد الأخير سبقه إعلان أمريكا تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي وهو الإجراء الذي ردّت عليه إيران بإجراء مماثل تمثل في تصنيف الجيش الأمريكي المتواجد في الخليج كجيش إرهابي وهو ما يفتح الباب نظريا لاستهداف متبادل في سياق ما يسمى الحرب على الإرهاب. ومع ذلك فهل أن خيار الحرب هو خيار حتمي أم أن فرقعة السلاح هذه هي مقدمات لمفاوضات شاملة تجمع أمريكا مع إيران؟ الردّ بالإيجاب على هذا السؤال ممكن ووارد ذلك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرّر في المدة الأخيرة دعواته الجانب الإيراني للتفاوض بشأن مجمل القضايا المطروحة بين الطرفين.. دعوات أردفها مؤخرا بالقول بأنه ترك رقم هاتفه للجانب الإيراني في إشارة مبطنة إلى إمكانية الاتصال به للدخول في مفاوضات شاملة متى نضجت الظروف إيرانيا ومتى قبلت طهران بالدخول في هذه المفاوضات التي تصر إيران على رفضها حتى الآن مشيرة إلى أنها لا تقبل بالتفاوض تحت الضغط... والسؤال الذي يطلّ برأسه هنا يقول: لماذا تصر أمريكا على التفاوض ولماذا تصر إيران على الرفض؟ وما هي أبرز الملفات والقضايا التي سوف تتناولها هذه المفاوضات؟ أمريكيا تبدو الطلبات كثيرة ومتعددة وقد ضغطت واشنطن في سبيل إخضاع إيران لها بالخروج من الاتفاق النووي وبالعقوبات الاقتصادية. وهي تبدأ من النووي الإيراني الذي مازال يؤرق الكيان الصهيوني الذي يحرك المواقف الأمريكية ويوجهها علاوة على ترسانة إيران الصاروخية وقدراتها الهائلة في مجال الصواريخ الباليستية التي تجعل إسرائيل في مرمى هذه الصواريخ. هذا إلى جانب دعم إيران لتنظيم حزب الله اللبناني الذي يعد بمثابة الشوكة في حلق الكيان الصهيوني والذي يحوز على ترسانة صاروخية جبارة إلى جانب مراكمة مليشياته لقدرات قتالية ترعب الصهاينة وقد جربوها في كل المواجهات التي حصلت إضافة إلى هذين الملفين تؤاخذ أمريكاإيران على انخراطها في الصراعات الإقليمية وتمددها في العراق وسوريا ولبنان واليمن بشكل بات يهدد حلفاء أمريكا الخليجيين وبات يستوجب من أمريكا تحركا حازما للجم هذا الجموح الإيراني للتحول إلى قوة إقليمية ترى طهران أنها باتت تمتلك كل مقومات التأثير في معادلات المنطقة. لكن لماذا تصر إيران على رفض التفاوض؟ تدرك طهران أن الدابة الأمريكية لا تفاوض في نهاية المطاف بل انها تسعى إلى تقديم إملاءات وتحشد من القوة والتصعيد ما يكفي لجعل مائدة التفاوض بمثابة المنصة لتمرير إملاءاتها. لذلك فإن إيران التي تدرك أن المطلوب هو رأس برنامجها النووي وقوتها وصناعتها الصاروخية وجيشها العقائدي (الحرس الثوري) وذراعها في جنوبلبنان ومواجهة الكيان الصهيوني حزب الله.. وإيران التي تدرك كذلك أن المطلوب هو تحجيم دورها الإقليمي بالكامل بما يعني رفع يدها عن العراق وسوريا ولبنان واليمن، لا تريد «التورّط» في مفاوضات تدرك مسبقا مآلاتها وتدرك رجوح موازين القوى فيها لصالح أمريكا خاصة في ظل الآثار المدمرة للعقوبات الاقتصادية التي باتت تخنق إيران وتدمر القدرة الشرائية للمواطن الإيراني الذي بات يكتوي بالارتفاع المذهل للأسعار. ومع ذلك هل أن خيار الحرب خيار حتمي؟ كل الاحتمالات تبدو واردة. فأمريكا التي غيّرت عقيدتها العسكرية منذ غزو العراق بشكل جعلها تتجه إلى التلويح والتهديد باستخدام القوة دون التورط في حروب برية لتحقيق أهدافها تحتاج لمراجعة شاملة لهذا الخيار المكلف لأن مواجهة قوة إقليمية مدججة بالسلاح ومعبأة عقائديا مثل إيران لن يكون بمثابة النزهة. وخطر مواجهة شاملة بين الطرفين سيفضي إلى غلق ممرات التجارة الدولية بما سوف يلهب أسعار النفط ويدخل العالم في أزمة خانقة قد تفضي إلى انفجارات أكبر سوف تخرج عن السيطرة. لذلك فإن الإدارة الأمريكية الواقعة تحت تأثير التعبئة الصهيونية المستمرة ضد إيران وتحت تأثير حساباتها الاستراتيجية في صراع النفوذ الذي تخوضه مع روسيا والصين بالخصوص سوف تمضي في خيار التهديد باستخدام القوة حتى كسر الإرادة الإيرانية وجر طهران جرا إلى طاولة التفاوض. أما إيران التي تدرك وتقرأ جيدا الثمن المطلوب منها فإنها تملك الكثير من مقومات الصمود في حرب الإرادات كما تملك الكثير من الأوراق بدءا بالقدرة على إيذاء الوجود العسكري الأمريكي في الخليج والمنطقة ووصولا إلى قدرتها على إيذاء حلفاء أمريكا في المنطقة علاوة على الكيان الصهيوني إضافة إلى قدرتها على إغلاق مضيق هرمز وإيقاف إمدادات النفط وحركة عبور السفن التجارية منه. لذلك فإن إيران التي تقرأ هذه التحديات جيدا تملك هي الأخرى من الأوراق ومن الصبر ومن رباطة الجأش ما يجعلها تدفع هي الأخرى إلى حافة الهاوية كخيار يجنبها الخضوع للإملاءات الأمريكية؟ وختاما هل تتجه الأمور إلى المواجهة العسكرية أم إلى تصعيد يمهّد لمفاوضات وصفقة شاملة؟ الاحتمالات واردة وإن كانت المنطقة والعالم لا يحتملان مغامرة أمريكية تفضي إلى مواجهة شاملة مع إيران... مواجهة يدرك الجميع أنها ستشعل الإقليم كله وسوف تمتد شظاياها أبعد من ذلك بكثير... وهو ما تدركه أمريكا جيدا وما تحفظه إيران عن ظهر قلب لتتمادى في إدارة ظهرها لعروض التفاوض ونوازع الابتزاز الأمريكية.