بعد أن كانت تونس رباطا في عهد الولاة، وبالتّالي ثغرا، وقاعدة لمنطقة عسكريّة، ربّما يرأسها قائد عسكري، أصبحت منطقة مدنيّة يرأسها عامل حسب فتوى لسحنون. فقد طلب سحنون في هذه الفتوى من قاضي تونس شجرة بن عيسى أن يستعين بعامل تونس «حتّى يقوّي أمره»، إن وجد صعوبة في رفع المخالفين لأوامره الخاصّة بالصّيد في البحار العميقة. ومن جهته أشار ابن عذاري إلى «والي تونس» عند حديثه عن عمران بن حبيب أخ عبد الرّحمان بن حبيب والي إفريقيّة (127137/744754). استعمل كذلك ابن ناجي نفس العبارة، فقد طلب والي إفريقيّة من «والي تونس» أن يُشخص إليه أبا كريب جميل (ت. 139/756) حتّى يولّيه قضاء القيروان. لا يوجد عموما اختلاف بين عبارتي والي وعامل، لكن ما يمكن استنتاجه هو حضور هذين اللقبين خلال الثلث الأوّل من القرن 2ه/8م، وبالتّالي تراجع الصّبغة العسكريّة عن المدينة بصفة مبكّرة. فهي كما وصفها سحنون كورة. ورد ذلك في إطار فتوى منسوبة إليه. قال في ردّه على قاضي تونس الّذي أراد أن يكتب إلى قاضي مصر في رجل بتونس يريد أن يثبت حقّه في دار هي بيد رجل بمصر: «لا، ليس يكتب قضاة الكور إلى قضاة البلدان بما يثبت عندهم، ولكن يكتب قاضي تونس إلى قاضي القيروان، قاضي الجماعة بما يثبت عنده، فيكون هو الّذي يكتب إلى قاضي مصر، ولا يجوز كتاب قضاة الكور، ولا ولاة المياه إلى قاضي بلد آخر...» فقاضي تونس هو من قضاة الكور، بينما قاضي القيروان، العاصمة، هو قاضي الجماعة، هذا الّذي يجوز له مراسلة قضاة البلدان، بما فيها قاضي مصر، بخلاف قاضي الكورة. فتونس إداريا تتبع القيروان، بصفتها كورة، ضمن الكُوَر العَشْر المكوّنة لإفريقيّة. ولئن خَلَفَت مدينة تونس قرطاجنّة من النّاحيّة الجغرافيّة، إثر الفتح الإسلامي لإفريقيّة، فهي لم تخلفها من النّاحيّة السّياسيّة، إذ أنّ المسلمين اتّخذوا القيروان عاصمة لإفريقيّة إلى حدّ منتصف القرن 5ه/11م، لذلك بقيت مدينة تونس إلى هذا التّاريخ تابعة للقيروان تعيش في ظلّها. على أنّ هذا لم يمنعها من أن تكون من أهمّ المراكز بإفريقيّة مثل ولاية طرابلس، بل إنّها تأتي في المرتبة الثّانيّة بعد القيروان، إذا أخذنا بعين الاعتبار قولا منسوبا إلى أبي جعفر المنصور (136158/754775). فعندما يسأل المنصورُ رسولَ المغرب عنها، كان يقول: «ما فعلتْ إحدى القيروانيْن ؟» يعني مدينة تونس، ويعلّل الرّقيق القيرواني هذه الأهمّيّة الّتي تتمتّع بها هذه المدينة بأنّها «كانت...تعدل بالقيروان في كثرة العرب والجّند الّذين كانوا فيها»، أي أنّ أهمّيّتها تتمثّل في تجمّع نسبة هامّة من الجند العربي بها، وهذا يعني أنّ هذا العنصر يمثّل أهمّ سبب لمنافستها للقيروان. يتبع