جلّ المصادر والمراجع تَصِفُ العهدَ الموحّدي بإفريقيّة بكثرة الاضطرابات، إذ لا يكاد الخليفة الموحّدي أن يستقرّ بمرّاكش بعد تمهيده لإفريقيّة، حتّى تبرز بهذه المنطقة ثورة أو انتفاضة جديدة. ويمكن تفسير هذه الظّاهرة ببعد إفريقيّة عن المركز، وبقوّة مركزيّة الحكم الموحّدي، خاصّة أنّ أهل إفريقيّة قد تعوّدوا، خلال قرن كامل، على العيش على شكل إمارات مستقلّة، وفي إطارها تونس الّتي فقد شيوخها كلّ نفوذ داخل مدينتهم، نتيجة لبروز فئة الشّيوخ الموحّدين. ويمكن تفسير هذه الاضطرابات كذلك بتصرّف عبد المؤمن الّذي ألزم المسلمين من غير الموحّدين على دفع الخراج، بل إنّ أهل مدينة تونس أُجبروا على دفع أكريّة مقابل إقامتهم بمنازلهم. «وأقام أهل تونس بها بأجرة تُؤخذ عن نصف مساكنهم». وإذا أضفنا إلى هذه الأسباب تقديم أهل إفريقيّة المذهب المالكي المختلف عن المذهب الموحّدي، فإنّنا نستطيع أن نستخلص نوعا من التّعاون بين سكّان إفريقيّة، خاصّة من بني هلال، ومنظّمي الثّورات ضدّ النّظام الموحّدي، هؤلاء الّذين كانوا خاصّة من بقايا الأسرة المرابطيّة المخلوعة من الحكم، نعني علي بن غانيّة وأخاه يحيى. فقد قدِم هؤلاء الثّوار من جزر الباليار، وحاولوا في عدّة مناسبات السّيطرة على إفريقيّة، وهو الأمر الّذي تمّ لهم سنة 600/1203، بقيادة يحيى بن غانيّة، ممّا دفع الخليفة الموحّدي محمّد النّاصر (595610/11981213) إلى الالتحاق بإفريقيّة، وتكليف عبد الواحد بن أبي حفص بملاحقة يحيى بن غانيّة. ثمّ عَيّن هذا الخليفةُ عبدَ الواحد واليّا على إفريقيّة، ومكّنه من سلطات واسعة، فأصبحت إفريقيّة منذئذ متمتّعة باستقلال داخلي. وبهذه الطّريقة استتبّ الأمن بإفريقيّة في عهد عبد الواحد. على أنّ هذا الوضع المتّسم بالاستقلاليّة الدّاخليّة لم يستمرّ طويلا، إذ بوفاة عبد الواحد سنة 618/1221، تدخّل الخليفة الموحّدي وعيّن على إفريقيّة أبا العلاء، رغم اتّفاق الشّيوخ الموحّدين بمدينة تونس على تعيين أبي زيد بن عبد الواحد، وهو إنذار برغبة الخليفة في إعادة توسيع نفوذه بالولاية. لكن ما لبث أن عاد الحفصيّون إلى ولاية إفريقيّة منذ سنة 623/1226 بتعيين عبد الله بن أبي حفص الّذي أزاحه أخوه أبو زكرياء سنة 625/1228 عن الحكم. فاستعادت إفريقيّة استقلالها الدّاخلي ثانيّة، خاصّة أنّ أبا زكرياء صرف منذ بداية حكمه موظّفين كان أرسلهم إليه الخليفة الموحّدي المأمون (624629/12271232). ثمّ تمّ استقلال هذه الولاية سنة 627/1230، في عهد نفس الوالي، مع المحافظة على نفس العاصمة لإفريقيّة، وهي مدينة تونس، الّتي تحوّلت من عاصمة جهويّة في العهد الموحّدي إلى عاصمة لدولة مستقلّة في العهد الحفصي، بل إلى عاصمة خلافة مع المستنصر الحفصي في منتصف القرن 7 ه/13م، لتُعطي لاحقا اسمَها لكامل البلاد التّونسيّة يتبع