توقفت القافلة... المحرّك لا يتحرّك... وإن تحرّك «لا ضو لا فرانات لا زمارة» والمنحدر حاد والحواشي هاوية. تعطلت المركبة وجيئ لها بشتى أنواع قطع الغيار الصدئة من مجامع الخردة وأسواق «الفيراي» من أبسط مسامر الى أهم «بياسة مصددة» من مخلفات الحرب العالمية الثانية ومخلفات خردة المعمرين وكذلك من قطع الغيار المستعملة في الخارج والمستوردة عبر مسالك التهريب العلني. وأقيمت لها مواكب الدعاء وأحضروا العرّافين والشوّافين وكتبة «الحروز» واستعانوا بالأولياء الصالحين... وأقاموا الزردة وأشعلوا الكوانين وسخنوا البنادير ونصبوا الحضرة وشطح الدراويش ومع هذا كله ما تحرّك للمركبة ساكنا. وحتى إذا اشتغل المحرك لا يتعدّى اشتغاله الضجيج وذرّ دخانه على العيون حيث يكحلها ويتخذ من صدئه حنّة ويخضب بها أيادي مصلحي المركبة ومن زيوته عطرا لكل ذي «فيسة» مقلوبة تعطلت الرحلة وتوقفت المركبة في «الخنقة» حيث قطع الرقاب والأرزاق والأعناق والطرقات زمن الغنائم والسبايا. من ذاك المكان ومن ذاك الزمان انطلقت الحكاية وفي نفس الزمان وبنفس المكان تعطلت القافلة وتوقف المحرّك فجيئ لهم بقطعان الحمير والبغال المحلية المهجنة وبالبعير من كل أصقاع صحاري الخليج العربي الشقيق. وتواصلت الرحلة وعلى ظهور دوابها زنابيل تحمل ما تبقّى من قوت الشعب علفا لها. شبع القطيع وسمن وعظم واشتدّ عوده صلابة صكّا وعضّا وركلا وشهيقا ونهيقا وهديرا وتقطعت شكائمه وبقيت المركبة والمحرّك لا يتحرّك في الخنقة. لا أتحدث عن مركبة العاملات الفلاحيات ولا عن محرّكها وإنما عن مركبتنا الى برّ الأمان... «لا ضو لا فرانات لا زمّارة».