أعلن فاضل محفوظ الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان عن توجّه رسمي لدى الحكومة نحو تطبيق القانون في ما يخص الأحزاب المخالفة للنصوص المنظمة للشأن الحزبي، وأوضح الوزير أنّ المكلَّف العام بنزاعات الدولة سيتولى إجراءات الملاحقة لدى القضاء مرجحا امكانية حل أكثر من 150 حزبا. هذا الإعلان على غاية من الأهميّة وإذا ما تمّ الذهاب في تراتيبه ومستلزماته على النحو المطلوب فلا شكّ أنّه سيُشكّل مدخلا مهما لمعالجة الهيكلة العامة للحياة الحزبيّة في بلادنا والتي تشهد حالة من الفوضى والتشتّت، فهل تحتاج بلادنا الى 218 حزبا بالتمام والكمال وما يزال الرقم مرشحا للارتفاع؟ صحيح أنّ المشرّع التونسي أقر دستوريا مبدأ الحريّة في التنظّم السياسي والحزبي والجمعياتي، رافعا بذلك كل القيود والضغوط التي كانت مسلّطة زمن الاستبداد، ولكن المشرّع وضع ضوابط ومحدّدات لعمل الأحزاب وسائر المكونات المجتمعيّة والمدنية وذلك بغاية تحقيق شروط العيش المشترك والشفافيّة والعدالة والمساواة بين الجميع وتحقيقا ايضا للسيادة الوطنية ورفض الارتهان إلى الخارج. فالأحزاب يجب أن تكون معلومة من حيث طرق التسيير والتمويل تماما مثل ضرورة وضوح توجّهاتها وبرامجها، فالأساس المركزي في الأنظمة الديمقراطية هي الأحزاب التي تعمل على هيكلة المجتمع ومحاولة استقطاب المناصرين والناخبين والتعبير لاحقا عن إرادتهم وتحقيق مطالبهم من خلال مراكز الحكم والقرار السياسي. فالأحزاب ليست محالا تجارية ولا محلات «فاست فود»، إنّها مرتكز الحياة السياسية الديمقراطية، إذ لا ديمقراطية حقيقيّة دون أحزاب قوية قادرة على تجميع المواطنين من حولها وإقناعهم ببرامجها وتصوراتها، أحزاب تكون مؤهلة للتداول السلمي على السلطة أو القيام بمهمة المعارضة بما فيها من رقابة ومساءلة وقوة اقتراح. محفوظ قال أنّ خمسين حزبا فقط مهيكلة وتنشط، ولكن الرقم نفسه، أي خمسين، لا يزال مرتفعا جدا ولا يُعبّر عن التنوّع المنطقي والمعقول في المجتمع التونسي بل يعكس حقيقة وفعلا وواقعا ما تعيشه الطبقة السياسية عموما من فوضى وصراع زعامات وغياب الثقة وتفشي ظاهرة الغنائمية والمصالح وتعاظم دور لوبيات الفساد، بما جعل من الأحزاب، للأسف، أداة للمضاربة والسمسرة ووسيلة للبحث عن التمويلات المشبوهة والحصول على الوجاهة وتأمين الظهور الإعلامي او خدمة المصالح الضيّقة وتحصيل المنافع. خطوة مهمة جدا، من شأنها أن تُعيد الاعتبار للعمل الحزبي المنظم والملتزم بالقانون وتغيّر نظرة الناس للعمل السياسي عموما بعد سنوات الترذيل والفوضى الحزبيّة، خطوة ستُسهم حتما في خفض منسوب التشتّت ودفع التونسيّين الى التجمّع ورصّ الصفوف والعمل المشترك والحرص على هيكلة المشهد الحزبي في أفق قريب على نحو يحقق الاستقرار في حياتنا السياسيّة ويُعبّر عن مختلف التوجهات دون شطط أو مغالاة ودون «الدخلاء» من الانتهازيين والمتمعشين وصائدي المنح والمنافع أيضا.