في الفترة الاخيرة، سارع كثيرون للإعلان عن ترشحهم للانتخابات الرئاسية قبل الموعد المحدد لتقديم الترشحات، ولا شيء يمنعهم من ذلك، فحق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ضمنه الدستور لكل تونسي، والقانون الانتخابي لم يمنع اعلان الترشح قبل الأجل القانوني. ودون البحث في نوايا كل من أعلنوا الترشح ودون التشكيك في حظوظهم وفي مدى قدرتهم على نيل ثقة الناخبين، إلا أن اول ما يتبادر الى الأذهان هو جانب «الجديّة» في الترشحات. فالأمر يتعلق بالمنصب الأعلى في البلاد وبسلطة دستورية واعتبارية هامة: فهو وفق الفصل 72 من الدستور «رئيس الدولة ورمز وحدتها «، ويتولى حسب الفصل 77 من الدستور «تمثيل الدولة» و" القيادة العليا للقوات المسلحة"، إلى جانب صلاحيات أخرى ذات قيمة قانونية ودستورية واعتبارية كبرى. وبالتالي فان المنطق يفترض مواصفات معينة في المترشح بقطع النظر عن الشروط الدستورية والقانونية، للتأكيد على مدى جدّية المترشح في ما سيُقْدم عليه.. صحيح أن الدستور والقانون الانتخابي لم يوليا أهمية كبرى لعنصر «الجديّة» باستثناء ضرورة حصول المترشح على عدد من التزكيات من قبل أعضاء البرلمان او مجالس الجماعات المحلية او المواطنين الناخبين وضرورة دفع ضمان مالي قيمته 10 آلاف دينار لا يسترجعها إلا عند حصوله على 3 بالمائة على الأقل من عدد الأصوات المصرّح بها.. وهي شروط لا تضمن تمتع المترشح بالحدّ الكافي من صفة «الجديّة» المطلوبة لأنها في متناول أي كان، إذ يمكن تحصيل التزكيات بعدة طرق مختلفة ويمكن توفير المبلغ المالي المطلوب بسهولة. إن المطلوب في رئاسية اليوم هو ان لا يقدّم الرّاغب في تولي المنصب الأعلى في البلاد ترشحه إلا إذا كان له حدّ ادنى من الثقة في المنافسة بجدية وبنديّة على المنصب. أما إذا كان هدفه فقط «تزيين» سيرته الذاتية في ما بعد بصفة « مترشح سابق لرئاسة الجمهورية» قصد استغلالها بعد الانتخابات في خدمة مصالحه اولتلميع صورته، فان الأفضل له عدم الترشح حتى لا يقع اغراق هذا الاستحقاق الانتخابي الهام بعشرات مطالب الترشح في بلد يضم فقط 12 مليون ساكن فقط ويقع بذلك ارباك الناخبين واثقال كاهل هيئة الانتخابات وتشتيت الأصوات وتشويه صورة هذا الحدث الهام أمام العالم.