إثر فتحهم لإفريقيّة، تصرّف المسلمون من النّاحيّة العمرانيّة حسب طرق ثلاث: إمّا ترك المدن القديمة دون الإقامة بها، مثل قرطاجنّة؛ أو الإقامة بمدن قديمة مثل باجة؛ أو إحداث مدن جديدة مثل القيروان. أمّا تونس، فهي فيما يبدو تنتسب في نفس الوقت إلى الصّنفين الأخيرين، إذ أنّها كانت مدينة قديمة، وأتى حسّان بن النّعمان، فخرّبها جزئيّا في مرحلة أولى؛ ثمّ عمّرها وبناها في مرحلة ثانيّة. وبعد ذلك، أتت مرحلة التّوسّع. فضّلت تونس في توسّعها المنحدر الشّرقي لهضبة القصبة الّذي يتميّز بغزارة موائده المائيّة، خاصّة أنّ المياه الجّاريّة بالمدينة منعدمة. وقد اتّخذت المدينة شكلا شبه مستطيل، وبصفة أدقّ شكلا إهليلجيا، ممتدّا في اتّجاه شمال –جنوب، نتيجة لسبب أساسي يرتبط بانحصارها بين بحيرة تونس من النّاحيّة الشّرقيّة، وسبخة السّيجومي من النّاحيّة الجّنوبيّة الغربيّة، وهضبة القصبة غربا. وعلى ضوء هذه المعطيات تمّ تحديد المحورين الرّئيسيين للمدينة الوسطى، اللذين يتقاطعان في وسط الأسواق قرب جامع الزّيتونة، ربّما منذ عهد الولاة، لاسيما يزيد بن حاتم المهلّبي. هذان المحوران هما: محور شمالي - جنوبي يربط بين باب السّويقة وباب الجزيرة؛ ومحور شرقي - غربي يربط بين باب البحر وباب أَرْطَة، أو باب القصبة. وهذا يعني أنّ أبوابا أربعة رئيسيّة فُتحت في السّور على أطراف هذين المحوريْن، وهي كما ذكرها البكري الّذي يصلح نصُّه للنّصف الأوّل من القرن 5 ه/11م: -باب الجزيرة: جنوبي، يؤدّي إلى جزيرة شريك، يعني الوطن القبليّ، وكذلك إلى القيروان. وقد ذكرت المصادر هذا الباب لأوّل مرّة في إطار حدث يعود إلى سنة 290903. -باب السّقّائين: شمالي، أُطلق عليه هذا الاسم لوجود بئر عذبة المياه أمامه، ثمّ تحوّل اسمه إلى باب السُّويْقة خلال القرن 5 ه/11 م، وذلك نسبة إلى تلك السّوق الصّغيرة الّتي توجد قرب مسجد الولي محرز بن خلف. وفي هذه السّوق يقع تبادل البضاعة الّتي تأتي من الرّيف، مقابل الّتي تخرج من المدينة. ويفتح باب السّويقة على ناحيّة بنزرتوباجة والكاف. -باب البحر: شرقيّ، يؤدّي إلى الميناء. -باب أَرْطَة: غربيّ، لم يهتدِ الباحثون إلى تحديد موقعه، ربّما كان على مستوى باب المنارة الحفصي، أو كان على مستوى منفذ نهج القصبة، وهو الأرجح، لأنّ المحور الشّرقي – الغربي بالمدينة يتواصل نحو الغرب عن طريق ذلك النّهج. على أنّ البكري عرّفنا بباب خامس، وهو باب قرطاجنّة. وهو شمالي شرقي، منه تنطلق الطّريق البرّيّة المؤدّيّة إلى الضّواحي الشّماليّة بما فيها قرطاجنّة. كلّ هذه المعطيات تخصّ ما يسمّى بالمدينة الوسطى، أي ما يقابل حاليّا «المدينة العربي»، قبل أن تظهر حولها الأرباض، أي الأحياء المحيطة بالمدينة الوسطى. يتبع