وَصَفَ العبدري أرباض مدينة تونس قائلا: «وعند كلّ باب منها ربض متّسع على قدر البلد المستقلّ». هذا الوصف الّذي يهمّ أرباض مدينة تونس في العهد الحفصي ما هو إلّا نتيجة لتطوّرٍ عرفته المدينة في عهد بني خراسان. فقد جعل زحف بني هلال في منتصف القرن 5 ه/11 م، أهالي داخل البلاد ينزحون نحو المدن السّاحليّة وخاصّة تونس، وبذلك ارتفعت الكثافات السّكّانيّة بها كثيرا، فأصبحت عاجزة عن استقبال كلّ النّازحين إليها. فأخذ هؤلاء في بناء مساكن تحت أسوار المدينة، مع تركيز على مخرج المدينة الشّمالي، وهو باب السّويقة، ومخرجها الجنوبي، وهو باب الجزيرة. فتكوّن ربض باب السّويقة الشّمالي، وربض باب الجزيرة الجنوبي. بماذا تتّسم الأوضاع بهذه الأرباض ؟ نشير هنا إلى أنّنا نجهل كلّ شيء عنها بالنّسبة إلى فترتنا، ونكتفي بالقول إنّها ربّما ساهمت في تنشيط التّجارة بين المدينة الوسطى وداخل البلاد، إذ أُقيمت على أرضها أسواق ريفيّة، مثل سوق الحلفاوين وسوق التّبّانين بالرّبض الشّمالي، وساحة الغنم والمركاض بالرّبض الجّنوبي. وبصفة عامّة، فإنّ المسحة الرّيفيّة كانت تسيطر على هذه الأرباض، إذ أنّ الأحياء بها كانت متفرّقة، والطّرقات بها كانت على شكل مسارب، إلى جانب غياب أدنى المؤسّسات الحضريّة، ربّما باستثناء ذلك المسجد الّذي بناه عبد الواحد بن أبي حفص بربض باب السّويقة. أمّا بالنّسبة إلى الأسوار فلم يقع إنشاؤها حول الأرباض إلّا في أواسط العهد الحفصي. وعموما، حتّى وإن كانت أخبارنا محدودة حول هذه الأرباض، نُرجّح أنّ مدينة تونس اكتسبت منذ عهد بني خراسان شكلها العامّ المتكوّن من مدينة وسطى وربضين. وبفضل التّجهيزات والمؤسّسات الّتي خُصّت بها مدينة تونس في العهد الإسلامي، أصبحت تونس «مدينة عظيمة»، في القرن 3 ه/9 م، ومدينة كبيرة في القرن 4 ه/10 م بالمقارنة مع مدينة برقة المتوسّطة الحجم، ومدينة طبرقة الصّغيرة الحجم. وتنقسم تلك المؤسّسات إلى صنفين: مؤسّسات ذات صبغة عسكريّة وإداريّة، مثل دار الصّناعة وما يتبعها من تجهيزات، ثمّ في فترة لاحقة القصبة، ومؤسّسات دينيّة مثل جامع الزّيتونة وجامع القصر. بادر ببناء دار الصّناعة حسّان بن النّعمان بين سنتي 80/699 و85/704، وهي مجعولة لصناعة السّفن، ثمّ واصل ذلك موسى بن نصير وعبيد الله بن الحبحاب. أمّا القصبة، وهي «القلعة في مصطلح المغاربة»، فقد بناها عبد المؤمن بن علي سنة 555/1160، وقد كان يقيم بها الوالي الموحّدي ومعه شيوخ الموحّدين، وكانت تلك المدينة الحكومية تتّصل بمحيطها بأبواب أربعة. وإلى الفترة السّابقة للعهد الحفصي، يعود العديد من المؤسّسات الدينيّة بمدينة تونس، أكبرها جامع الزّيتونة الّذي أخذ شكله النّهائي تقريبا في أواسط العهد الأغلبي، وجامع القصر الّذي اختلف الباحثون في أصله . انتهى