إعداد: كمال بالهادي وبعد أن تمت المقابلة مع عبد الكريم الشيخلي، اقتيد صدام مرة أخرى الى غرفة رشيد محسن مدير الأمن العام : ها... صدام ؟؟ - والله أنا لازلت عند كلامي الذي قلته لك في المرة السابقة هل مازلت تذكر القصة التي حكيتها لك؟ - صدام...انظر إن طاهر يحي يريد رؤيتك. طاهر يحيى؟ طاهر يحيى رئيس الوزراء..أنتم تستطيعون بالطبع أن تقودونني قسرا إليه. يعني تضعون الحديد في يدي وتأخذونني إلى مكتبه. أما أنا فأقول لك إنني لا أريد أن أرى وجه طاهر يحيى مطلقا، واعتبر كل هؤلاء خونة: طاهر يحيى وعبد السلام عارف. انظر أنا في لحظة من حياتي حملت غدارتي وأطلقت نيرانها على عبد الكريم قاسم وضربته في شارع الرشيد..ولم يكن عندي حقد عليه. أنا لم أحقد في حياتي على إنسان. ولكن، قل لعبد السلام عارف إنني أحقد عليه حتى العظم. إن ذلك الإنسان الذي يهشم الجماجم التي رفعته هو إنسان بلا خلق ولا قيم.. - على هواك يا صدام.. وانقطع الحوار بينهما وقاده الشرطة إلى أسفل مبنى الأمن العام، حيث وضعوه في زنزانة انفرادية على مقعد صغير وقد قيدوا يديه من الخلف بسلسلة من حديد. وربطوا طرفها في قضبان النافذة العالية سبعة أيام كاملة. سبعة أيام كاملة على هذا الحال. ولم ينطق بحرف. فوجدوا، أن لا فائدة من الاستمرار، فقادوه إلى سجن التاجي. حيث بدأ التحقيق العادي. كان في التحقيق يكسب المحققين إلى صفه. عندما سأله المحقق عبد القادر الجنابي. هل كنتم تعدون للقيام بثورة؟ لم ينكر قال : نعم..ولكن مسؤولية ذلك تقع علي وحدي. زين، أحمد حسن البكر لا علاقة له بشيء، بل نحن كنا نعتبره صديقا لعبد السلام عارف. ولذلك لم نكن نأتمنه أو نحيطه بأي سر. وإذا كنتم قد سمعتم خلافا لذلك. فلقد أخطأتم بالتأكيد. كان يريد أن يبعد أية شبهة عن ذلك الرجل الذي أحبه وقدّره وأراد أن يحمل عنه أية تهمة توجه له. كل الأمور الخطرة وضعها على كاهله وحده. وحمل عبئها وحده. إن السجن بوتقة الرجال تتكشف معادنهم الثمينة أو الرديئة، خلف قضبانه وأبوابه المغلقة. ومن النادر أن يدخل إلى السجن مناضل دون أن تتأكد إذا كانت خصاله من معدن الذهب أم لا. بل لعل صلابته ولمعانه يتبديان أكثر من ذي قبل وهو وحيد، وسط الحصار. وعندما دخل صدام حسين إلى السجن بدا وكأنه يعرفه وكأنه لا يلتقي بالجدران الرمادية المتجهمة وقضبانها السوداء الكئيبة وطاقاتها الصغيرة العالية. على مضض تفتقت فيه غرائز (الأبوة) ولم يكن أكبر الرفاق سنا. بل على العكس كان من أكثرهم صبا وفتوة، وأخذ يفكر في الجميع ويعامل الجميع وكأنه الأب الذي يحنو والذي يوجه والذي يؤنب والذي يربي أبناءه في النهاية. وحينما أغلق عليه باب الزنزانة لأول مرة واصطكت المتاريس الثقيلة بصوت ثقيل كئيب، و اخترق أذنيه، داخله شعور غريب مبهم أشبه بالحدس الباطني بأنه لن يموت. لم يدر بخلده للحظة أنه سوف يموت. فكرة الموت لم تحم أبدا بأجنحتها السوداء على روحه وحتى عندما كان يخطر بباله احتمال الحكم بالإعدام عليه. كان يقول في نفسه على الفور :إذا لم يعدمونني بسرعة فإنني سوف أهرب. غير أن الرفاق بالخارج حينما أرسلوا إليه بعدها، يقولون إن ثمة فرصة لتهريبه وإنهم سوف يساعدونه على الهرب، رفض وأجابهم قائلا : إنني لو هربت لن يخرج من رفاق السجن ولا واحد ولابد من أن تصبروا علي قليلا إن الخطة – ودائما كانت هناك لديه خطة – تتركز على تهريب المكتب العسكري. مكتب بغداد العسكري. يتبع