دارت رؤوسهم ومادت الأرض من تحت أقدامهم وكأن كرة الحديد قد مستهم. وبدا أن كل شيء قد صار الآن قبض الريح. كل الآمال الكبيرة تتقوض في لحظة وكل الخطط والترتيبات و النضالات الطويلة باتت هشيما تذروه الرياح، بل إن الكارثة تلوح شيئا فشيئا اكبر وأفدح. إن الحزب كله، أصبح في هذه الساعة مهددا تهديدا خطيرا بالتصفية الشاملة، فضلا بطبيعة الحال عن أن الجالسين هنا الآن سوف يواجهون بعد لحظات عقوبة الاعدام. ونهض بعض الرفاق من أماكنهم وأخذوا يمشون في الغرفة جيئة وذهابا. وكأنهم يتحركون في قفص حديدي صغير. وانطلق واحد منهم وقد بدت أمامه النهاية المفجعة واضحة وضوح السطور القليلة الحاسمة التي حملتها الرسالة صارخا في وجه الآخرين مدينا تلك التحالفات التي كان يوافق عليها منذ لحظة والتي أدت الى هذه النهايات المدمرة واعتبر التحالف مع (الداوود) امر لواء الحرس الجمهوري هو الذي قاد إلى إفشاء أسرار الثورة و أفضى الى هذه الكارثة. ولكن الآن؟ ليست هذه الساعة ساعة لوم أو ندم والعجز في النهاية لا يليق برجال يوشكون على القيام بثورة لابد من مخرج ولكن من يقود الى المخرج؟ تكلم صدام حسين و أوقف المناقشات التي تولول بعبارات اللوم والندم وقال في حسم مطلوب ومفتقد في تلك اللحظة : انا اقترح ان نقبل مشاركته. ونظر اليه الجميع وقد عقدت الدهشة ألسنتهم ولكنه – كمن يتلو قرارا أكمل : اقترح ان يذهب اليه الرفيق احمد حسن البكر ومعه حردان التكريتي وصالح مهدي عماش أو اثنان منهما ويقولون له : نحن نقبل حياك الله...وما كنا نتصور من قبل انك تريد أن تشاركنا ويعرضان عليه الموقع الذي يرضيه بعد الثورة فيما عدا رئاسة الجمهورية. ولكن بشرط هو تصفيته فورا اثناء الدخول إلى كتيبة الدبابات او بعد ذلك. انني اذ اقترح هذا فإنني ادرك بأنه ما كان من الممكن ان نفعله لو ان هذا الرجل قد شاركنا العمل وفق صيغة طبيعية ولو كنا متأكدين من وطنيته وانه يريد المشاركة لإنقاذ الشعب وإنما فرض علينا، وهو يريد ان يطعن الحزب خدمة لجهة ما مثلما طعنه من قبل عبد السلام عارف ولذلك فانه لأمر مشروع وأخلاقي ان لا يغدر الحزب والثورة مرة اخرى، وان ندفع عنهما الاذى في حالة الرفض وان ندفع عنهما الاذى في حالة القبول..ومن الان نتفق... انني اخجل ان اقترح نفسي في يوم ما لأية مهمة ولكن هذه المهمة لا اظن انني اخجل منها..انني اقترح عليكم ترشيح الرفيق صدام حسين للقيام بهذه المهمة. وبدون مناقشة بالتفاصيل ويترك له اختيار اللحظة المناسبة..اعتبارا من دخول كتيبة الدبابات وما بعدها لتصفيته وبالطريقة التي يراها ويعتبر هذا القرار نهائيا. غير جائز أن يوضع موضع المناقشة في المستقبل. وافق الحاضرون بعد ان انتهى من كلماته – او قراره – وكأنه قد انتشلهم من غرق ورفعوا ايديهم بالموافقة على قراره بالإجماع. وانفض الاجتماع على موعد – بعد ساعات – مع الثورة. يتبع