يعجز التونسي عن ملاحقة المناسبات الاستهلاكية المتتالية صيفا وفي المقابل فإنه لا يدّخر وسعا في «الاحتفال» بكل المناسبات والانفاق بما يفوق قدرته ومداخيله. فمن اين يأتي بالأموال لسداد حاجياته؟ تونس (الشروق): يجد التونسي نفسه هذه الايام على ابواب موسم النجاحات الذي سيفتح الباب أمام موسم الافراح والأعراس وحفلات الختان التي تقتضي انفاق أموال كبيرة لمساعدة أصحاب الفرح او تهنئتهم اضافة الى اقتناء الملابس الجديدة ومصاريف التنقل وبالإضافة الى ذلك فان جل العائلات تنخرط في مصاريف الخلاعة تحت طلب الابناء الذين يرغبون في الترفيه عن النفس خلال العطلة الصيفية كما ان نفقات عيد الاضحى ضرورية وتتزامن مع الصائفة اذ ستكون خلال النصف الاول من شهر اوت ليختتم الموسم بالعودة المدرسية ونفقاتها. وبين المناسبات الاجتماعية والعائلية والدينية والترفيهية يجد الاجير نفسه امام ابواب عديدة للإنفاق ومورد رزق وحيد قار لا يتمدد ولا يتكاثر كما المناسبات فكيف يتصرف المستهلك لمواجهة هذه النفقات؟ الافراط في تداين لتفسير هذه المعادلة وفك ألغازها رصدت «الشروق» آراء مواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية كما تحدثت الى عدد من الخبراء عن الظاهرة. وقد ذكر عدد من المواطنين ان المناسبات لا تحصى ولا تعد والمصاريف لا حدود لها، والاحتفال بكل هذه المحطات الاستهلاكية أمر مفروض لا مفر منه لكن مقابل ذلك ومقابل الحرص على الدفع بسخاء لا يخفي المواطن في كل مرة تذمره من الانفاق المتواصل اذ يردد الكثيرون بأن غلاء المعيشة نغص حياتهم كما أرهقت جيوبهم لكن هذا التذمر غير مشفوع بالأفعال ذلك ان المواطن دائما في الموعد للدفع بسخاء فمن أين يأتي بالأموال ليواجه هذا السيل الجارف من المصاريف؟ تشير الدراسات الى تطور لافت في نسبة التداين الأسري خلال سنة 2017 إذ بلغ مستواه 31 بالمائة مقابل 29.1 بالمائة في 2014 علاوة على التطور الهام في نسبة القروض صعبة الاستخلاص أو في حالة نزاع من جملة القروض الممنوحة للأسر والتي بلغ قائمها 919 مليون دينار. وتسبب مسالة الافراط في التداين الاسري بسبب غلاء المعيشة والظروف الصعبة للعائلات وتعدد المناسبات الاستهلاكية عديد الضغوط والازمات الاسرية خاصة وان حوالي ثلثي العائلات التونسية أي حوالي1.8مليون أسرة تعتبر أنه لا يمكن الاستغناء عن التداين بجميع أصنافه وأنواعه ولا يمكنها أن تعيش من دون ذلك بسبب الظروف الصعبة، بحسب ما كشف عنه بحث ميداني أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك في ديسمبر 2018. علما وان عدد الأسر التونسية يناهز 2.8 مليون أسرة متكونة في المعدّل من أربعة أفراد. ضعف القدرة الشرائية لا شك ان تعدد المناسبات المتكررة تشكل استنزافا للدخل الاسري ذلك انها في الغالب اموال مهدورة لا طائل منها سوى خلق المزيد من الضغط والاجواء المشحونة في الاسرة. وقد أظهر البحث المنجز على عينة شملت 3015 رب أسرة أن 27 بالمائة من الأسر التونسية أن التداين ضرورة يمليها ضعف القدرة الشرائية و27 بالمائة ترى أن التداين ورطة يصعب الخروج منها و20 بالمائة ترى في التداين حلا لتحسين ظروف العيش. وأبرز البحث أن 20 بالمائة من الأسر المتداينة تستخدم هذه الآلية لتسديد ديون أخرى والدخول بالتالي في دوامة متواصلة من التداين. وابدت 30بالمائة من الاسر المتداينة انها على استعداد لإعادة الكرة والتداين عند الحاجة رغم ان 80 بالمائة من التونسيين اكدوا أن مستوى التداين مرتفع في تونس. من جهته نشر المعهد الوطني للإحصاء بيانات تتعلق بالاستهلاك العائلي لا سيما فيما يتعلق بتطور أسعار خدمات الترفيه و الميزانية التي تخصصها الأسر لموسم الابواب الصيف الذي يعد ذروة الاستهلاك. وأكدت إحصائيات المعهد حول ارتياد محلات الترفيه بشكل عام أن أسعار المنتجات التي تقدم للمستهلك بشتى أصنافه تشهد في الظرف الراهن ارتفاعا بمعدل 5.1 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. من جهة أخرى يتبين انه مع انطلاق فصل الصيف تراجع خلال السنوات الأخيرة الفارطة، ارتياد الاسر لأماكن الترفيه بنسبة 21بالمائة مقارنة ب2005 وذلك بسبب الترفيع المتواصل في اسعار خدماتها خلال كل موسم من ذلك مساكن الخلاعة الملتهبة والمقاهي مما دفع جزءا كبيرا من المستهلكين إلى التذمر وهجرة هذه الاماكن التي كانوا يرتادونها للترفيه لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك الحصول على قرض لخلاص اخر يؤكد لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أن "التونسي اصبح محروما من كل شيء بعد السنوات العجاف التي قضاها في التداين بل تم تجويعه فلم يعد يقبل على ارتياد فضاءات الترفيه ولا يتسوغ مساكن الخلاعة كما كان في السابق بسبب ضعف إمكانياته المادية. صحيح انه لا يقوم بتخطيط للمناسبات الكثيرة في ميزانيته ويترك الامور على الهامش لكن الامر تجاوز المعقول بسبب التضخم وغلاء المعيشة وقد رصدنا هذه السنة انه لم يعد يقبل على البحر والاصطياف كما في السنوات السابقة وذلك نظرا الى تعمق معاناة إلى الفئات الشعبية. مضيفا في نفس السياق انه لا يوجد بصيص امل في خصوص البرامج والسياسات العامة لانفراج الوضع الاقتصادي للبلاد عموما اما التونسي فقد اصبح يعتمد سياسة الحصول على قرض لخلاص اخر.