مفارقة عجيبة يشهدها سوق العقارات في ولاية تغيب فيها مؤشرات التنمية والمركبات السياحية والصناعية ومع ذلك يجمع كلّ من توجهنا إليهم بالسؤال بأن أسعار العقارات «ملتهبة» وغير معقولة ما يدفعنا للحفر في أسباب هذا الارتفاع؟ مكتب القيروان «الشروق»: «أنا لا اسعى لامتلاك قصر او فيلا ضخمة بل ابحث عن شقة بمساحة معقولة الا أن ذلك يبدو من سابع المستحيلات فشقاء العمر لم يعد يكفي لتحقيق «الحلم» بمسكن على ملكي « هكذا علّقت رفيقة غيضاوي أصيلة بوحجلة ، مردفة أن المتر الواحد في بوحجلة بلغ ال1500 د وهو مرتفع مقارنة بالقيروانالمدينة وعقارات أخرى بلغ فيها المتر 300 دينار رغم انها خارج التهيئة وذات صبغة فلاحية. يقول رضوان الفطناسي الرئيس السابق لفرع منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالقيروان «بعد الثورة وقع انفلات في أسعار الاراضي وارتفعت في ظرف 8 سنوات حتى أكثر من 5 مرات في سعرها الاصلي بفعل تبييض الأموال عبر المضاربة غير القانونية في العقارات وتتم هذه العمليات عن طرق فائض التجارة الموازية(«الكناترية») أين أقدمت هذه الفئة على التجارة السريعة والسهلة عبر تكديس العقارات وبدرجة أقل نجد عمالنا بالخارج. وقد اصبحنا نجد في القيروان ومعتمدياتها ارتفاعا مدويا لسعر العقارات ولذلك نجد سعر متوسط أرض ذات 300 متر مربع أصبح يتكلف بين130و140 الف دينار يعني أغلى من شقة صغرى في سوسة وهو ما سبب عجزا واستحالة اقتناء أرض سكنية حتى بالنسبة لموظف سامي يتقاضى أكثر من 2000 دينار». مافيا التنقيب عن الآثار... أما بالوسلاتية المعتمدية التي تفتح الشهية وتسيل لعاب المنقبين عن الاثار نظرا لموقعها الجغرافي الاثري وكثرة مدخراتها الثمينة من اثار وغيرها، فتشهد فيها أسعار العقارات مضاربات قوية جدا لأصحاب معاملات تجارية مشبوهة تتعلق خاصة بالتنقيب عن الآثار أو ما يطلق عليهم بتجار الآثار ومبيضي الأموال وفق ما افاد به ( علي .ف) الذي قال ان أبناء المنطقة يعرفون جيدا هويات «مافيا العقارات» الذين ينتقون جيدا مواقعها ويتقصون مسبقا لغاية الحفر والتنقيب متسائلا «والا كيف نفسر وصول ثمن قطعة أرض بمعتمدية الوسلاتية حوالي 268 ألف دينارا وهي قطعة ارض غير بعيدة عن المصب العشوائي بالجهة وفي نفس الوقت تبعد عن إحدى المدن الساحلية بحوالي 130 كلم»؟ يفيد بعض مستجوبينا بان أسعار الأراضي السكنية الخاصة بمعتمدية الوسلاتية كانت تتراوح بين 40 و50 دينار للمتر المربع الواحد وهي مقاسم سكنية مهيئة من قبل أحد المستثمرين الخواص ولكن يوم 16 جوان الجاري موعد البتة العمومية بالمزاد العلني التابعة لبلدية الوسلاتية التي وضعت فيها على ذمة العموم 51 قطعة أرض صالحة للبناء ارتفعت الأسعار بشكل جنوني لتتراوح بين 78 دينارا إلى 550 دينار للمتر المربع الواحد . يقول مراد بن علي أحد المشاركين في المزاد العلني المذكور بأنه لم يتسن له الحصول على مبتغاه بسبب الارتفاع المشط ومساهمة المشاركين في رفع الأسعار بطريقة غير مدروسة مشيرا كذلك الى وجود إخلال بين العرض والطلب حيث يوجد 51 مقسما مقابل أكثر من 116 مشاركا. فالمضاربون يشاركون نيابة عن أشخاص معروفين بثرائهم الفاحش بحسب محدثنا محمد الجبالي الذي يؤكد أن أسعار الأراضي السكنية الخاصة وصل سعر المتر المربع فيها الى 150 دينار بعد يوم فقط من البتة العمومية المذكورة بعد أن كان في حدود 50 دينارا فقط. وللحد من ارتفاع الأسعار أكد جوهر بوراوي رئيس اللجنة المالية ببلدية الوسلاتية أن هناك إجراءات ستتخذ خلال المزادات العلنية القادمة باعتبار وان بلدية المكان لها رصيد محترم من المقاسم السكنية وسيتم وضع آليات جديدة وفق ما يقتضيه القانون لفائدة كل العموم ليتمكنوا من الحصول على مقاسم سكنية مثلهم مثل أصحاب رؤوس الأموال بعد يوم «الأحد الأسود» كما وصفه محدثنا. تهرّب ضريبي خبيث.. المضاربون او كما يحلو للبعض تسميتهم ب»مافيا العقارات» هم عينة من الانفلات المجتمعي نتيجة للتهريب والتهرب الضريبي ، وغياب التتبع وعدم محاسبة من يتملك عقارات جديدة ويصرح بمداخيل سنوية تحاذي مرتب عامل يومي....فهم لا يصرحون بالسعر الحقيقي للبيع وانما يعمدون دائما الى التصريح باقل سعر للعقارات مهما كان نوعها فلاحية او مخصصة للبناء او السكن فيلهبونها بأضعاف اضعافها بعد سنوات من شرائها او ربما استغلالها للكراء لمن يحسبون حسابا لمداخيل قارة قد تكون انفع من البيع. وأضاف « ان السبب الرئيسى لما يقع فى سوق العقارات هو أنه ليس عليه أي رقيب، وبالتالى فقد اتحد الملاك مع شركات المقاولات والسماسرة ضد المواطن، واستغل جميعهم موجة الغلاء كحجة للمبالغة فى رفع اسعار العقارات، ولكن لابد من إعادة الاعتبار للشركات العقارية الوطنية وفرض نفسها وتطوير الياتها وجودة خدماتها . أي دور للشركات العقارية ؟ النائب الجهوي للوكالة العقارية للسكنى بالقيروان مراد مفتاح أكد أن دور الوكالة مهم وهي تعمل في اطار التخفيف من المضاربة وارتفاع الأسعار واحداث المعادلة بين العرض والطلب، مؤكدا ان الشركة اتخذت اجراء جديدا للحصول على العقارات وتتمثل أساسا في عدم ملكية الشاري لأي عقار داخل حدود القيروان وضرورة تقديمه كشف لأملاكه من القباضة المالية بعد ان كانت الشركة تعتمد شهادة في عدم الملكية فقط. من جهته عبر محمد النابلي النائب الجهوي للشركة الوطنية العقارية للوسط (السنيت) بالقيروان ان السنيت هي الهيكل الوطني الوحيد الذي يبيع بنصف الثمن حيث لا يتجاوز سعر الشقة ال50الف دينار على مساحة 50 متر مربع. واشار الى ان هنالك شحا في الرصيد العقاري الصالح للبناء بالقيروان بسبب غلاء الأسعار وتكاليف التقسيم وصعوبة الإجراءات الإدارية من قبل «الستاغ» و«الصوناد» والبلدية مطالبا هذه الأطراف بضرورة احترام الإجراءات دون محاباة الشركات الخاصة على حساب الشركات الوطنية. وحمل النابلي مسؤولية ارتفاع الأسعار التي أحدثت أزمة سكن وخنقت المواطن البسيط ،الى الدولة التي لم تفكر في استغلال بعض المساحات المتواجدة قرب مقبرة سيدي عرفة و«السيد» وغيرها لتوفير السكن الاجتماعي للمواطنين.