كانت المعركة تتصاعد يوميا باتجاه الحسم، بل إن الثورة نشرت في تلك الايام علنا محاضر المفاوضات مع الشركات بشكل كامل وكان بوسع المراقب الذي يعرف شيئا عن طبيعة القيادة و(العقل السياسي) الذي يوجهها ان يتيقن من ان هذا التصعيد الشديد والكشف العلني لما يدور في الغرف المغلقة، لا يمكن ان تقدم عليه اية قيادة (عاقلة) – على حد تعبير صدام حسين نفسه – (الا اذا كانت قد حزمت أمرها على قرار حاسم) ولكن الشركات نفسها (بقيت تتصور ان الثورة لن تقدم على التأميم. ويذكر صدام حسين انه في ذلك الوقت، كانت هنالك اوساط فرنسية لم تتفق مع الشركات في تقديراتها تلك وكانت تضع في حساباتها ان الحكومة العراقية قد تتخذ قرارا بالتشريع من جانب واحد ولكن (حتى هذه الاوساط الاكثر فطنة من الشركات لم تكن تتصور ان القرار سيكون تأميم الشركة وعلى اساس تقديراتها هذه حاولت اقناع الاطراف الاخرى في الشركات بإجراء تعديل في موقفها واتصل السفير الفرنسي بسكرتير عام لجنة المتابعة ناصحا بالتريث في اتخاذ قرار من طرف واحد املا في ان يتمكن من اقناع ممثل الشركات (ستوكويل) بضرورة النزول عند مطالب الحكومة وقبل انتهاء مدة الانذار في الساعة الحادية عشرة من اول جوان 1972 بوقت قصير اتصل السفير بسكرتير لجنة المتابعة وابلغه انه بذل جهده ولكنه لم يتمكن من اقناع (ستوكويل). في الساعة الحادية عشرة من صباح الاول من جوان 1972 انتهت مهلة الانذار ودق جرس التلفون في مكتب سكرتير عام لجنة المتابعة وكان المتحدث هو ستوكويل يطلب مد المهلة وفرصة اخرى للتباحث. غير انه في نفس اللحظة التي حبست فيها الجماهير انفاسها لتعرف ما عساه سوف يحدث الان، كانت موجات الاذاعة والتلفزيون العراقي على اهبة الاستعداد كي تنقل خطابا هاما الى الامة ووقف الرئيس احمد حسن البكر كي يعلن قرار الثورة التاريخي : تأميم شركات النفط الاحتكارية في العراق وتلقى النمر الامبريالي ضربة قاتلة.. ومع ذلك فأن (المعركة لم تكن نزهة) – على حد تعبير طارق عزيز في كتابه (ثورة الطريق الجديد) – (كما لم تحسمها ضربة واحدة مثلما يحدث في القصص الاسطورية بل كانت معركة صعبة ومعقدة وكان حسمها يحتاج الى ضربات عديدة والى سلسلة مضنية من الكر والفر). لقد حقق التأميم في ذلك اليوم سيطرة الدولة على 65 % من قطاع انتاج النفط – الذي كان القطاع الوحيد الخاضع للسيطرة الاجنبية كما حقق سيطرتها على 99، 75 % من رقعة الارض التي يستخرج منها النفط. ذلك لأن القرار الذي صدر يومها لم يشمل شركة نفط البصرة (وكان لقرار القيادة في عدم شمول شركة نفط البصرة بقرار التأميم في الاول من جوان 1972 أهميته الكبيرة من ناحيتين، الاولى انه وفر للدولة مصادر جديدة من العملة الصعبة خلال تلك الفترة الحرجة مما زاد في قدرتها على الصمود في المعركة ومواجهة ضغوط الاحتكارات والثانية، انه منح الثورة إمكانية جديدة لمناورة الشركات بهدف إجبارها على الرضوخ لقرار تأميم شركة نفط العراق والاعتراف الكامل بالقانون رقم 80. كما كان لقرار القيادة بمنح فرنسا موقعا متميزا في عملية التأميم أهميته البالغة وفي الوقت نفسه كان لموقف الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية المساند للتأميم أهميته السياسية والاقتصادية). يتبع