في عالم متغيّر ومتعدّد احتدم فيه الصراع على المقدمة وعلى الهيمنة والسيطرة... يبدو أن لحظة الانتقال إلى نظام عالمي جديد قد أوشكت وحان فصلها وذلك عبر معيارين أساسيين هما الاقتصاد والتكنولوجيا. تخوض أمريكا متزعّمة القطب الواحد هذه الايام حربا شرسة على واجهتين. الأولى تجاريا مع الصّين والثانية تكنولوجيا مع روسيا لكبح أو لمنع تفوّق قد يضعها في الخلف وبالتالي سيضع نظام القطب الواحد على الرّف. الصين التي تسير بسرعة جنونية نحو تسيّد العالم اقتصاديا وحتى عسكريا وتكنولوجيا، أصابت الادارة الامريكية بالجنون مما جعلها تعلن حربا جمركية عليها لم تؤت أكلها حتى الآن. بل أظهرت عدم رضوخ واصرار وارادة صينية عالية. هذا التنين الصيني الذي تغزو شركاته ومنتجاته ومستثمروه اصقاع العالم وحتى امريكا ذاتها، أصبح صعب الترويض أو الايقاف. وفكرة تحوله الى قطب عالمي جديد اصبحت مسألة وقت وموقف فحسب. وعلى الطرف الآخر تكافح واشنطن الخصم العسكري الا وهو روسيا التي بدأت منتجاتها العسكرية تسحب البساط من تحت نظيرتها الامريكية حتى وصل الامر الى حلفائها المقربين جدا. فمنظومة صورايخ اس-400 الروسية مثلا أصبحت مطلبا لأغلب الدول الكبرى التي قررت الاستغناء عن منظومة الباتريوت الامريكية نظرا الى فشلها اولا وثانيا لغلاء اسعارها مقارنة بالمنظومة الروسية. ويبدو أن تركيا التي تحدّت أمريكا ووقّعت صفقة اقتناء المنظومة الروسية وهي الحليف الوثيق لواشنطن في حلف الناتو، قد وجهت ضربة هائلة الى الصناعة العسكرية الامريكية التي ستفتح الباب لدول أخرى حليفة وغير حليفة. وحتى العقوبات التي ستفرضها واشنطن على أنقرة او غيرها ممن سيقتنون التكنولوجيا العسكرية الروسية فإنها كمن يطلق النار على نفسه. وهي في الآن ذاته هدية ثمينة لروسياوالصين معا. كان لافتا للنظر بعد قمة مجموعة العشرين بأوساكا اليابانية التصريح الذي أدلى به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال فيه" إن الليبرالية فقدت صلاحيتها. وانتهى مفعولها. وبالتالي فإن النظام الليبرالي العالمي الذي ساد وهيمن خلال معظم السبعين عاماً الماضية هو الآن فاقد الصلاحية". روسياوالصين اللذان «طلّقا» الدولار الامريكي مؤخرا وقررا الاستغناء عن العملة الأمريكية في الحسابات التجارية بينهما والاعتماد على العملات الوطنية يسيران بثبات نحو تشكيل عالم متعدد الأقطاب. ويبدو أنهما ليسا القوتين الوحيدتين اللتين ستطيحان بنظام القطب الواحد اذا ما أخذنا في الاعتبار الهند وجنوب افريقيا والبرازيل وايران وتركيا وغيرها ممن تمرّد على الهيمنة الامريكية. العالم الجديد الحر ضاق ذرعا بنظام القطب الواحد الذي يضع كل الموارد في السلة الأمريكية بينما يمكن لنظام الأقطاب المتعددة أن يكون عادلا أكثر ويحقق الاستقرار والرخاء للجميع.