في سياق مواكبتها للانتخابات الرئاسية المنتظر عقدها يوم 15 سبتمبر القادم، تواصل "الشروق" نشر حوارات صحفية شاملة مع المترشحين للانتخابات الرئاسية بغاية اتاحة الفرصة للناخبين وعموم الرأي العام للتعرف عن كثب على تصورات المترشحين وبرامجهم الانتخابية ورصد تفاعلهم مع مختلف القضايا والملفات المطروحة على الساحة الوطنية. وحاورت الشروق في العددين السابقين كلا من المترشحة سلمى اللومي الرقيق وعمر منصور وستكون المحطة الثالثة اليوم مع المترشح لطفي المرايحي أمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري . تونس الشروق: تواصل الشروق نشر حوارات المترشحين لرئاسة الجمهورية الذين قُبلت ملفات ترشحهم قصد مزيد التعريف بهم وبأفكارهم وبمواقفهم من المناخ العام السائد اليوم. وفي عدد اليوم نستقبل المترشح الدكتور لطفي المرايحي أمين عام حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري. اعتبر المترشح للانتخابات الرئاسية لطفي المرايحي ان منصب رئيس الجمهورية يبقى من أعلى المناصب في البلاد بالنظر الى رمزيته الكبرى رافضا القول بأن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة لأنها تتسع الى كل المجالات بلا استثناء. بداية، ماهي ابرز دوافعك للترشح لمنصب رئيس جمهورية؟ مبدئيا أعتبر ان كل مواطن يرى في نفسه القدرة على المنافسة على هذا المنصب وعلى تحقيق المطلوب منه عند فوزه له الحق في الترشح. ومن جهة أخرى أعتبر ان الوضع في البلاد يتطلب تدخلا سريعا والبلاد برمتها في حاجة للإنقاذ وهو ما يتطلب منا المساهمة جميعا في ذلك وأنا ارتأيت ان تكون مساهمتي من بوابة رئاسة الجمهورية. رغم وجودك على رأس حزب إلا أن هذا الحزب لم يظهر على الساحة السياسية بالشكل الكافي في السنوات الأخيرة وهو ما قد يشكل امامك عائقا لمنافسة مترشحين وراءهم «ماكينات» حزبية كبرى؟ عمر حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري 8 سنوات فقط وهو مسار غير كاف لحزب حتى يكون في السلطة بشكل صحيح وثابت، ولا يجب ان نقيس في هذا الإطار على الأحزاب التي تتأسس اليوم بسرعة قصوى في تونس وتجد نفسها في السلطة في ظروف مشبوهة وغامضة .. اليوم وجدت نفسي بين انتظارات البلاد واستحالة دخول السلطة عبر حزبي لذلك اخترت مدخل رئاسة الجهورية لتحقيق ما أطمح إليه لو بلغت السلطة. لكن لماذا بقي حزبكم «بعيدا» عن دائرة الضوء طيلة السنوات الماضية؟ حزبنا من القلائل الذين حافظوا على الوجود بعد 2014 رغم ان الأحزاب البارزة اليوم هي أحزاب منشقة عن أحزاب كبرى. اعتبر ان ما قمنا به في الحزب ممتاز لكن كان يمكن يكون اكثر لو كانت هناك حياة سياسية اكثر ضوابط واحتراما لاخلاقيات العمل السياسي خاصة في علاقة بالمال السياسي لأنه يشوه السياسة ويغيب الإرادة الشعبية. فالاتحاد الشعبي الجمهوري ولطفي المرايحي ظلا مغيبين عن وسائل الاعلام الكبرى بما في ذلك العمومية والخاصة ومن الطبيعي ان نبقى بعيدين عن دائرة الضوء. وكل ذلك قد يؤثر فعلا على حظوظي مقارنة بمن وراءهم ماكينات حزبية نجحت طيلة السنوات الماضية في افتكاك الاهتمام عبر المال السياسي المشبوه والظهور الإعلامي المتتالي لأسباب معروفة..للأسف اليوم لا يمكن بناء ديمقراطية بهذا الشكل.. بوصفه احد منافسيك كيف تقبلت القرار الأخير ليوسف الشاهد بالتنازل عن رئاسة الحكومة الى حين انتهاء الحملات الانتخابية؟ منطقيا لا يمكنني انتقاد احد المنافسين في السباق لكن الامر يتعلق برئيس الحكومة ويجب ابداء موقف حول ما قام به. فالتفويض لكمال مرجان اعتبره خارج كل الأطر وبلا معنى.. كان بالإمكان أن يستقيل تماما منذ ان فكر في الترشح وأن يقع تشكيل حكومة تصريف اعمال لتحييد الدولة تماما عن الانتخابات لكن.. كيف تنظر الى المناخ العام السائد اليوم هل هو مناسب من حيث الشفافية والنزاهة لاجراء الانتخابات ؟ للأسف شفافية ونزاهة العملية الانتخابية يقع اختزالهما في يوم التصويت لكن ما يحصل قبله يقع تجاهله رغم انه المحدد الأساسي لشفافية ونزاهة الانتخابات. فالمناخ الذي ساد طيلة السنوات او الأشهر الماضية لا يمكن اعتباره مناسبا لضمان انتخابات سليمة وكان بالإمكان ان يكون اكثر «نظافة» لكن للأسف حصل ما حصل ونحن سنخوض السباق ونعلم ذلك جيدا.. وماذا عن هيئة الانتخابات؟ كان بودي ان تنخرط هيئة الانتخابات اكثر في الفعل السياسي برمته لانها تجسد في النهاية الإرادة الشعبية ويجب ان تكون في تصور اشمل من التنظيم والاعداد للانتخابات. لا يجب ان تبقى ملتزمة فقط بالقانون الانتخابي وبصلاحياتها القانونية بل هناك مصلحة عامة وقوانين أخرى تهم النظام العام ملزمة بتطبيقها حماية للعملية الانتخابية من كل الشوائب. في رأيك ماذا تحتاج البلاد اليوم من رئيس الجمهورية، علما ان صلاحياته محدودة؟ أولا الحديث عن الصلاحيات المحدودة لرئيس الجمهورية خطأ شائع. فالفصل 72 يسمح له بصلاحيات واسعة «السهر على احترام الدستور». ومن منطلق ذلك تصبح كل فصول الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية خاصة تلك الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات و الحقوق الاجتماعية ( العمل – الصحة – الماء – البيئة – التعليم..). وله أن يقوم بالمبادرات التشريعية في كل هذه المجالات ومتى شاء وبامكانه التدخل عبر الحوار والتشارك وله دور الحكم والدور التعديلي فاذا لم ينجح يمكنه العرض على الاستفتاء.. هو ليس مطالبا بالتنفيذ بل بالتدخل كلما خرجت الأمور عن اطارها في علاقة بتفعيل الدستور. وهذا يتطلب رئيس جمهورية ملاصقا للشعب ولمشاغله ويعرف كل كبيرة وصغيرة عن احتياجات المواطن في كل المناطق وان يتدخل فورا للتغيير وللتعديل كلما اختلت الأمور. يجب أن يكون لنا في الفترة القادمة تصور لرئيس الجمهورية ولسلطاته وصلوحياته وتوضيحها للراي العام من قبل المختصين والخبراء. وعلى ارض الواقع بماذا يعد لطفي المرايحي التونسيين في صورة بلوغه منصب الرئاسة؟ أول تحرك مستعجل يجب القيام به هو اقتصادي وذلك عبر مبادرة تشريعية ذات صبغة حمائية اقتصادية أي حماية السوق الداخلية من المنتوجات الأجنبية المتدفقة وبالتالي حماية المؤسسات الاقتصادية التونسية من سلع لا تقدر على منافستها سعرا وجودة .. وبذلك يقع دعم النسيج الصناعي والاستثماري الوطني المحلي وهذا له عدة مزايا من حيث التشغيل وتوفير العملة الصعبة ودعم الموارد الجبائية لتقدر الدولة على تحسين جودة الخدمات العمومية ودعم موارد الصناديق الاجتماعية ليتراجع عجزها والضغط على التضخم المالي المستورد وتحسين قيمة العملة لتحسين خدمة الدين، أي ان وراء هذا القرار الصغير دورة كاملة ستستفيد لكن ذلك يشترط أن تكون للمنتوج الوطني وللسلع المحلية قيمة مضافة لجعلها اقل كلفة واكثر جودة وباسعار ربحية وبذلك نشجع الشركات المحلية على مزيد الاستثمار والانتصاب.. أيضا بالنسبة للشان الاقتصادي هناك آفة كبرى وهي الارتهان للخارج الذي بلغ أقصاه في السنوات الأخيرة بطريقة فظيعة وعلى أيدي بعض من يتقدمون اليوم للسباق الانتخابي وتم في ظروف مريبة ولا بد من فتح تحقيق في ذلك مستقبلا لان الامر تحوم حوله شكوك كبيرة. لا بد اليوم من استعادة تونس من «الوصاية الأجنبية» ومن نفوذ عائلات تحدث عنها مؤخرا سفير الاتحاد لاروربي وتتحكم في الشان الاقتصادي بالتعاون مع اطراف اجنبية ومن خلال الحصول على امتيازات من الدولة ومن خلال التهرب الضريبي.. وهذا ما جعل مثلا موضوع ثرواتنا يبقى لغزا وغامضا رغم ان دائرة المحاسبات كشفت عن اخلالات فيه ومن العار ان لا نتمتع فعلا بثرواتنا كاملة. لذلك اتعهد في صورة بلوغي منصب رئيس جمهورية ان اعمل على تأميم ما يمكن تاميمه من ثروات وإعادة مراجعة العقود المجحفة لبعض حقول النفط التي اتضح فسادها الى جانب محاربة كل اشكال الفساد في الهياكل العمومية وأيضا محاربة التهرب الجبائي والقطع مع الامتيازات الجبائية وغيرها التي لم تعط جدوى الى حد الآن غير تواصل الفساد. وفي الشأن الاجتماعي ماذا تقترحون؟ بذلك يمكن ان يستفيد الشأن الاجتماعي ( توفير الشغل – الحد من الفقر وتنمية المناطق الأقل حظا وتحسين الخدمات العمومية وتحقيق السلم والاستقرار الاجتماعي والحد من الجريمة. فكل ما هو اجتماعي مرتبط بالاقتصادي. وهناك امر مهم آخر في الشأن الاجتماعي يجب العناية به وهو منظومة القيم التي تعني العلم والعمل والمعرفة والجهد والعائلة وهيبة المربي والابوين وهيبة الدولة وعلوية القانون في الشارع وإعادة تصور دور الاعلام لا سيما الاعلام الخاص. فالاعلام يجب ان ينخرط في منظومة القيم المذكورة لدعمها وحمايتها وليس للاضرار بها دون المس من حرية الاعلام والتعبير ودون إعادة منظومة «التعليمات» بل عبر هيكل تعديلي يكون امتدادا للهايكا ويضم أصحاب المؤسسات و المهنيين والإعلاميين والمواطنين لتحديد ضوابط لمختلف القيم المذكورة. وماذا عن الشأن السياسي؟ النظام السياسي الحالي يمكن ان يكون صالحا لبلادنا لان فيه مزايا عديدة وكل نظام له مزاياه وعيوبه .. أقول انه يجب احترام فلسفة النظام الحالي حتى تحصل الاستفادة منه . وبالنسبة للقانون الانتخابي يجب «تأهيله» تدريجيا لنذهب نحو «اقتراع بالأغلبية مع نسبة من النسبية « ويجب وضع ضوابط التنافس السياسي النزيه بالنسبة للتمويل ( خاصة الأجنبي) والنفاذ الى الاعلام ولا بد ان يلعب رئيس الجمهورية دورا في ذلك. والحكم التوافقي ؟ انا ضد الالتفاف على الإرادة الشعبية .. ما الفرق بين تزوير الانتخابات وتزوير الإرادة الشعبية؟ .. البلاد تحتكم لدستور ولقوانين ولا مجال للحديث عن مسالة تجنيب البلاد مخاطر فهناك نتيجة صندوق يجب احترامها من الجميع والخاسر يجب ان يمارس المعارضة وينتظر الانتخابات القادمة.. فالتوافق أدى بنا إلى نتائج كارثية في السنوات الماضية.